فلسفة العالم الإسلامي
الفلاسفة وأهم مواضيع كتابتهم

الباب السادس
النقل والعقل


الفلاسة العرب نظروا للفلسفة كعلم العالم المكتسب بالترجبة والتفكر، ولا بالوحي، ولو كان بعضهم، كابن سينا، يمحون تفرقتها عن الوحي باعتداءهم أن النبوة وكل العلم ينزل من العقل الفعال. ورغم ذلك كانوا ينتصرون استقلال الفلسفة عن الشرع وحرية البحث. أما المتكلمون فافترقوا في مذاهب متباينة في مسألة صحة استعمال الهواجس الفلسفية لتوضيح الوحي.

6.1 مواقف المتكلمين

6.1.1 الحنبلة

أتباع أحمد بن حنبل (انظر الباب الأول) تعصبوا بدفاع عن الموقف أن القرآن والحديث يبنيان المرجع الوحيد لتحقيق الإسلام في كافة أنحائه. فرفضوا كل تأويل القرآن بوجه غير ظاهر، و كل المعاير الفلسفية في شرح معنى النص. ولذلك هاجم الحنبلة الفلاسفة ومذاهب الكلام الأخرى في ازدهار الفلسفة في بغداد في القرن التاسع للميلاد.

والحنبلية تطورت بعد ذلك، وخاصة بشهرة ابن تيمية (المتوفي في 1328)، وله تأثير كبير حتى اليوم، وخاصة في نظرية المجتمع الإسلامي.[1] وبجانب واحد انتحل أفكاره عبد الوهاب في الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر، والوهبية الحنبلية أسست الدولة السعودية ومنها انتشر الحنبلية في العالم، وخاصة في بعض البلدان في قارة الأفريقية.

وبجانب آخر أثرت الحنبلية في إسلاحية الأفغاني (توفي في 1897) ومحمد عبده (توفي في 1905) ورشيد رضاء (توفي في 1935).[2] وهؤلاء كانوا أساتذة بدون تأثير كبير في المجتمع، ولكن برفض الكلام الأشعري الجامد حثوا تسوية عملية مع تطورات العصر الحديث. وبصيغة أكثر جذرية طوّر هذا المنهج الباكستاني أبو الأعلى مودودي (توفي في 1979) في ميدان السياسة.[3]

وفي القرن العشرين هذه الحنبلية أثرت في الإخوان الميلمين وفي فكر زعيمهم الأكبر، سيد قطب.[4] والحنبلية الجديدة مهمة جداً في سياق الإسلام الجذري المعاصر.

6.1.2 المعتزلة

المعتزلة لم يكونوا مذاهباً ذا شكل واحد، ولكنهم شاركوا استعمال الحر للفلسفة وهجائسها ومنهجها.

وفيما عدا ذلك، فسروا القرآن تفسيراً استعارياً، ليناسب مواقفهم العقلية المنتجة من الفلاسفة. فلجؤا مثلاً إلى تفسير مجازي ليجانبوا كل تشبيه وليدمجوا كل صفات الله وأوصافه في وحدة تمحو كل تباين واقعي بين صفات الله. ولأنهم أصروا في عدل الله، فسروا تفسيراً مستعاراً كل آية تتضمن قدراً إلهياً لحوادث هذا العالم.

6.1.3 الأشاعرة

انفصل الأشعري عن المعتزلة لأنهم لم يحترموا المعنى الحرفي للقرآن ولأن أجوبتهم للمشكلات الناتجة عن موافقهم لم تكن راضية. ففي إصرارهم الحازم على عدل الله وحرية إرادة الإنسان لم يقدروا أن يقبلوا قدرة الله على كل شيء ولا إمكانية الغفر أو جوده في السماح.

هكذا أصبح الأشعري عاضد التفسير الحرفي للقرآن، إلا في بعض الاستثناءات إن نتجت عن التفسي الحرفير استحالات. ولكن في بيان موافقه والدفاع عنها، لم يتردد الأشعري أن يستعمل كل اللآلات الفلسفية التي كانت لديه.

والآن يمكننا أن نرى كيف تعارضت هذه المذاهب الكلامية والفلاسفة، كل منها ضد سائرها. ولكن التناضل لم ينحصر في الجامعات، ولكن ظهرت في شوارع بغداد وأنجز حال التوتر السياسي.

6.2 طلب الحق بتجربة مباشرة

بعض المسلمين كانوا يشتاقون التقرب بالله العقلي والانفعالي ولم يجدوا شبعهم في معنى القرآن الظاهر ولا في علوم الفقه أو الكلام أو الفلسفة.

6.2.1 الشيعة

الشيعة، مناصرو علي بن طالب، اعتزمون أنه الخليقة الأول الحقيقي، المنصوب عن النبي محمد لأنه الأقرب منه بالنسبة ولأنه زوج بنته فاطمة. والشيعة يعتقدون أن الأئمة يقبلون السلطة مباشرة من الله. ويشارك في عصمة النبي.

والشيعة يرون في القرآن ليس إنما التباسات المحتاجة إلى التفسير، ولكن أيضاً معاني كثيرة باطنة. والمعنى الظاهر يصل إليه العلماء، ولكن المعنى الباطن إنما الإمام منور ليفهمه، وهو يلقنه تابعيه.

فإن الشيعة تنسيق باطني مؤسس على حكمة منزلة من الأعلى، يستثمرها النخب الذين يجب عليهم أن يرشدوا غيرهم.

ويجدر بالذكر أن حكام الشيعة اليوم يحترمون الفارابي وابن سينا، لأنهما يعضدون نظم المجتمع مرتب، حيث الأعلاويون الحكماء ينيرون الذين هم في مرتبة سفلى.

6.2.2 المتصوفة

إن التصوف حركة تطلب، وراء شعائر الصلاة، شعور فيض الله في النفس. بسبب توكيده حضور الله في أعماق النفس وحتى حلوله هنالك، صادم فكر العلماء الموكدين تنزه الله عن اتصال مباشر بالمخلوق. وبعد نزاع طويل، وجدوا المتصوفة بعض التسامح في المجتمع الإسلامي بقبول بعض شروط مطروحة عن الغزالي:

  1. كان مباحاً لهم أن يتكلموا عن محبة الله أو الصداقة معه، ولو لم يذكر هذه في القرآن، ولكن كان حراماً عليهم أن يقولوا أن الله يحل في المؤمن.
  2. كان مباحاً لهم أن يتبعوا طريقة التصوف ليصلوا إلى الحقيقة بالتقرب منه، لا باتحاد به، ولكن كان حراماً عليهم أن يستغنوا عن فرائض الشريعة، ولو تقدموا إلى مستوى عال في الطريقة.
  3. يمكنهم بالذكر الشاد أن يتنعموا ببعض القوة الإلهي حتى ينجزوا كرامات، ولكنه حرام عليهم أن يدعوا أن هذه معجزات، فالمعجزة منحصرة لادعاء النبوة، والنبوة اختتمت في محمد.

وظاهرة التصوف ترفع كثيراً من الأسئلة التي تحتاج إلى التحليل والتنسيق في الفلسفة وعلم الكلام. ولكن في ما. عدا حفظ استقامة الرأي العام، كان بحث المتكلمين في التصوف قليلاً جداً، ولم يستفيدوا شيئاً منه لتطور الكلام.

أما فيما يمت إلى هدف هذا الكتاب في الفلسفة، نلاحظ أن المتصوفة، مثل الشيعة، طلبوا الحق بطريقة التجربة المباشرة أو بتنوير إلهي. ولكن، لأن، كحركة في أهل السنة، إن التصوف يفترق عن الشيعة بأن هذه التجربة مفتوحة لكل مسلم بدون استثناء. فإذاً كان التصوف جواب أهل السنة للشيعة الذي حصر هذا الإلهام للإمام.

وملاحظة ثانية مهمة هي أن الطرق الصوفية حتى الآن تلتقي معارضة المذاهب ذات اتجاه حنبلي، مثل الوهابية السعودية وأشياع سيد قطب المرحوم في مصر وغيره من البلدان. فإنهم يرون المتصوفة كمختلطين فاسدي صفو الإسلام. وفي أفريقية المتصوفة حفاظ الثقافة الوطنية التقليدية ضد تعريب الثقافة.

6.3 الغزالي والعلم العقلي

كما رأينا في الباب الأول، كان هجوم أبي حامد الغزالي ضد الفلسفة عاملاً مهماً في اغتيال الفلسفة في العالم الإسلامي. فما رأيه في العلم العقلي بصفة عامة؟ وكيف هذا يبين موقفه؟

في هذا الموضوع ألف الغزالي: (1) تهافت الفلاسفة في 1095 قبل أزمته واسحابه من التعليم. في هذا الكتاب هاجم الفلاسفة في عشرين مسئلة، يحكمهم فيها إما بالبدعة وإما بالكفر. (2) في فترة اعتزاله كتب.  إحياء علوم الدين، ومنه يهمنا كتاب الأول، الفصول 1-7. (3) وفي نفس الوقت كتب أيها الولد ليرشد مستصوفاً. (4) بعد استئناف تعليمه كتب سيرة حياته في المنقذ من الضلال، يوجز ما كتب سابقاً. فننظر إلى الثاني والثالث من هذه الأعمال.

6.3.1 إحياء علوم الدين

في الإحياء، كتاب 1، باب 2، ينكلم الغزالي عن أنواع العلم المختلفة. وماذا كان معنى "العلم" في سياق الفلسفة في ذلك العصر؟ أغلب الفلاسف تبعوا منطق أرسطو في كتابه التحليل، الذي يحدد العلم (ἐπιστήμη) كمعرفة موضوع ما، وخاصية ذلك الموضوع (مساوي الاتساع)، وسبب تلك الخاصية الموجودة في طبيعة الموضوع وأيضاً في السببين الخاريين: الغائي والفاعفي. وإن هذه المقرفة برهاني، لأنها علم وجود الصفة في الموضوع وعلم علة وجودها فيه. فإن البرهان، في مذهب الأرسطي، ليس بوسيلة الاكتشاف ولكنه تحليل ما قد عُرف بالتجربة والبحث. أما الغزالي فيأتخذ منهج الفقيه ليحكم قيمة العلوم المختلفة. ويحطها في خمس أصناف: (1) الواجبة، (2) المندوبة، (3) المباحة، (4) المكروهة، (5) الحرام.

من ثم يقول العزالي أن كل مسلم يجب عليه أن يعلم وجوه الدين التطبيقية، يعني: (1) الشهادة بدود حجج أو تبيين مفصل، (2) الشرائع التي يجب على كل فرد أن يفعلها، (3) وما يحرم على المسلمين.

ثم يميز أربع أصواف العلوم النظرية: (1) الرياضيات (الهندسة وعلم الحساب)، التي تباح للكل وواجب للبعض (مثل محاسبي المجتمع)، (2) المنطق — للغزالي لا حجة لوجوده المستقل، بل إنما هو من مقدمة علم الكلام، (3) العلم الإلهي — ككتاب الثاني عشر من ما بعد الطبيعة لأرسطو — ولا حق لوجود هذا.   إلا مندمج في علم الكلام، (4) علوم الطبيعة، فيميزها الغزالي، قائلاً إن بعضها كاذبة (التنجيم والسحر)، وبعضه فائدة (الطب)، وبعضها غير فائدة (علم جزئيات العالم). ولا يذكر هنا معارضته الرئيسية لعلوم الطبيعة أنها ترتكز على مبدأ السببية الطبيعية، فلا تقبله الأشعرية.

وبالفعل بين العلوم الإنسانية، لا يقبل إلا الرياضيات والطب، فإنهما ضروريان.

أما في العلوم الدينية، فيميز الغزالي فروع عديدة، ولكن يوكد أن علم المكاشفة، وهو علم الباطن، هو الأكثر اهتماماً، كما يعلم المتصوف بالتجربة. ويختتم الفصل الثالث بالقول: "وكان العلم بالقرآن هو العلم كله."[5]

6.3.2 أيها الولد

هذا الكتيب نصيح السالك في الطريقة. وفيه يقول: "أيها الولد، أي شيء حاصل لك من تحصيل علم الكلام والخلاف والطب والدواوين والأشعار والنجوم والعروض والنحو والتصريف غير تضييع العمر بخلاف ذي الجلال."[6] "أيها الولد، العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون."[7] ويتحصل الإنسان على ذوق الحق بالعمل والتجربة، لا بالدرس.

قد وجب على السالك أربعة أمور. الأمر الأول: اعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة. والثاني: تربية نصوح لا يقدع بعدها إلى الزلة (ولهذا يحتاج إلى شيخ مرسد). والثالث: استرضاء الخصوم حتى لا يبقى لأحد عليك حق. والرابع: تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى، ثم من العلوم الآخرة ما يكون به النجاة."[8]

وقد أشرنا في الباب الأول إلى نتيجة هذا رفض العلوم الإنسانية.

6.4 الفلاسفة

6.4.1 الكندي

الكندي قبِل كل عقائد الإسلام ولم ينحرف عنها ببحثه الفلسفي. ومرتبة الفلسفة تقصر عن مرتبة العلم الإلهي الذي يحصل "بلا طلب ولا تكلف ولا بحيلة بشرية ولا مزان، كعلم الرسل صلوات الله عليهم الذي خصها الله جل وتعالى علواً كبيراً أنه بلا طلب ولا تكلف ولا بحث ولا بحيلة بالرياضات والمنطق ولا بزمان، بل مع إرادته جل وتعالى، بتطهير أنفسهم وإنارتها للحق بتأييده وتسديده وإلهامه ورسالانه."[9] "فأي بشر يقدر بفلسفة البشر أن يجمع في قول بقدر حروف هذه الآيات ما جمع الله جل وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فيها... فأما العلم الإنساني اذي حددنا فهو دون العلم الإلهي."[10]

وبرغم ذلك، يشكو من العلماء المعارضين له. فيقول:

تأويل كثير من المتسمين بالنظر في دهرنا، من أهل الغربة عن الحق، وإن تتوجوا بتيجان الحق من غير استحقاق، لضيق فطنهم عن أساليب الحق وقلة معرفتهم بما يستحق ذوو الجلالة في الرأي والاجتهاد في الأنفاع العامة للكل الشاملة لهم، ولدرانة الحسد المتمكن من أنفسهم البهيمية والحاجب بسدف سجوفه أبصار فكرهم عن نور الحق، ووضعهم ذوي الفضائل الإنسانية التي قصروا عن نيلها، وكانوا منها في الأطراف الشاسعة، وموضع الأعداء الجرية الواترة، دبّاً عن كراسيهم المزورة التي نصبوها عن غير استحقاق، بل للترؤس وللتجارة بالدين، وهم عدماء الدين، لأن من تجر بشيء باعه، ومن باع شيئاً لم يكن له، فمن تجر بالدين لم يكن له دين، ويحق أن يتعرى من الدين من عاند قنية علم الأشياء بحقائقها وسماها كفراً.[11]

6.4.2 محمد الرازي

ومن العلم الإلهي يجد النص: "إن نفوس الأشرار التي صارت شياطين تتجلي لبعض الناس في صورة الملائكة وتأمرهم أن اذهب وقل للناس إنه قد جاءني ملك فقال لي إن الله أعطاك الرسالة وإني الملك المبعوث إليك، حتى وقع الاختلاف بين الناس بسبب ذلك وقتل خلق كثير نتيجة تدبير تلك النفوس التي أصبحت شياطين."[12]

في المناظرات بين أبي حاتم ارازي وأبي بكر الرازي، في مقدمتها ملتقط من كتاب إساعيل المجدوع، يرد على قول محمد الرازي "أن أهل الشرائع أخذوا الدين عن رؤسائهم بالتقليد ودفعوا النظر والبحث عن الأصول." ثم يرد على الاتهام أن معجزات النبي غير صحيحة وكذلك هو عديم مكارم الأخلاق.[13]

ثم في الفصل الأول نجد هذه المناقشة:

فقال: من أين أوجبتم أن الله اختص قوماً بالنبوة دون قوم وفضلهم على الناس وجعلهم أدلة لهم وأحوج الناس إليهم؟ ومن أين أجزتم في حكمة الحطيم أن يختار لهم ذلك ويُشلي بعضهم على بعض ويوكد بينهم العداوات ويكثر المحاربات ويهلك بذلك الناس؟

قلت: فكيف يجوز عنك في حكمته أن يفعل؟

قال: الأولى بحكمة الحكيم ورحمة الرحيم أن يلهم عباده أجمعين معرفة منافعهم ومضارهم في عاجلهم وآجلهم ولا يفضل بعضهم على بعض فلا يكون بينهم تنازع ولا اختلاف فيهلكوا. وذلك أحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمة لبعض فتصدق كل فرقة إمامها وتكذب غيره ويضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف ويعم البلاء ويهلكوا بالتعادي والمجاذ. بات. وقد هلك بذلك كثير من الناس كما نرى.

قلت: ألست تزعم أن البارئ جل جلاله حكيم رحيم؟

قال: نعم.

قلت: فهل ترى الحكيم فعل بخلقه هذا الذي تزعم أنه أولى يحكمته ورحمته، وهل احتاط لهم فألهم الجميع ذلك وجعل هذه الهبة عامة ليستغني الناس بعضهم عن بعض وترتفع عنهم الحاجة إذ كان ذلك أولى كحكمته ورحمته؟

قال: نعم.

قلت: وأوجِدني حقيقة ما تدعي. فإنا لا نرى في العالم إلا إماماً ومأموماً وعالماً ومتعلماً في جميع الملل والأديان والمقالات من أهل الشرائع وأصحاب الفلسفة التي هي أصل مقالتك. ولا نرى الناس يستغني بعضهم عن بعض بل كلهم محتاجون بعضهم إلى بعض غير مستغنين بإلهامهم عن الأئمة والعلماء. لم يُلهَموا ما ادعيت من منافعهم ومضارهم في أمر العاجل والآجل بل أُحوجوا إلى علماء يتعلمون منهم وأئمة يقتدون بهم وراضة يتروضونهم. وهذا عيان لا يقدر على دفعة إلا مباهت ظاهر البهت والعناد. وأنت مع ذلك تدعي أنك قد خصصت بهذه العلوم التي تدعيها من الفلسفة وأن غيرك قد حُرم ذلك وأحوج إليك وأوجبت عليهم التعلم منك والاقتداء بك.

قال: لم أخص بها أنا دون غيري، ولكني طلبتها وتوانَوا فيها. وإنما حرموا ذلك لإضرابهم عن النظر لا لنقص فيهم. والدليل على ذلك أن أحدهم يفهم من أمر معاشه وتجارته وتصرفه في هذه الأمور ويهتدي بحيلته إلى أشياء تدق عن فهم كثير منا. وذلك لأنه صرف همته إلى ذلك. ولو صرف همته إلى ما صرفت همتي أنا إليه وطلب ما طلبت لأدرك ما أدركت.

قلت: فهل يستوي الناس في العقل والهمة والفطنة أم لا؟

قال: لو اجتهدوا واشتغلوا بما يعينهم لاستووا في الهمم والعقول...

قلت: أما إذا أسررت على هذه الدعوى ورددت الحق وعاندته فأخبِرني ما تقول فيمن نظر في الفلسفة وهو معتقد لشرائع الأنبياء هل تصفو يفسه وهل ترجو له الخلاص من كدورة هذا العالم؟

قال: كيف يكون ناظراً في الفلسفة وهو يعتقد لهذه الخرافات مقيم على الاختلافات، مصر على الجهل والتقليد؟

قلت: أوليس ادعيت أن من نظر في الفلسفة وإن لم يتبحر فيها ونظر فينا أقل قليل منها صفت نفسه؟

قال: نعم.[14]

ثم يسرد الرازي ال المناقضات بين الذين يدعون النبوة: عيسى وموسى ومحمد وماني وزوراستر في مسائل إلهية عيسى وسلبه وقدم العالم وعلة الشر، وكذلك افترق المجوس وأهل الاثنين واليهود والنصارى في عقائدهم، ولذلك ينتج أن ادعاءات كلهم كاذبة.[15]

6.4.3 ابن مسرة

يفتتح ابن مسرة رسالة الاعتبار بمسألة: " أنك قرأت في بعض الكتب أنه لا يجد المستدل بالاعتبار من أسفل العالم إلى الأعلى إلا مثل ما دلت عليه الأنبياء من الأعلى إلى الأسفل، وتطلعت إلى تحقيق ذلك وتمثيله." ويجيب:

اعلم وفقنا الله وإياك أن أول ذلك أن الله عز وجل إنما جعل لعباده العقول التي هي نور من نوره، ليبصروا بها أمره، ويعرفوا بها قدره فشهدوا الله بما شهد به لنفسه، وشهدت له به ملائكته وأولو العلم من خلقه.

ثم جعل — عز و جل كل ما خلق من سمائه وأرضه أيات دالات عليه، معربة بروبيبته، وصفاته الحسنى، فالعالم كله كتاب. حروفه كلامه، يقرأه المستبصرون بعيان الفكرة الصادقة على حسب الظاهرة المكنونة المكشوفة لمن رأى المحجوبة عمن تلهى...

فنبأت الرسل عن أمر الله تعالى، وافتتحت بلأعظم فالأعظم، والأول فالأول في الصفة. فدلت على الله عز وجهه، وعلى صفاته الحسنى وكيف بدأ خلقه وأنشأه واستوى على عرشه، وكرسي ملكوته وسماواته وأرضه إلى آخر ذلك، وأمرنا بالاعتبار لذلك (= استعمال الفلسفة)، وأشار إلى البدأ فيه من أيات الآرض...

فوجدوا الاعتبار يشهد للنبأ فيصدقه، ووجدوا النبأ موافقاً للاعتبار لا يخالفه فتعاضد البرهان وتجلى اليقين وأفضت القلوب إلى حقائق الإيمان.[16]

ثم يعطي مثل الاعتبار الصحيح، يبرهن وجود الله من سعود الماء في النبات من الجذر إلى الأعلى. ويلاحظ:

فهذا مثال من استدلال الاعتبار، وهو الذي دار عليه وابتغاه المتنطعون المسمون بالفلاسفة بغير نية مستقيمة فأخطأوه، وفصلوا عنه، فتاهوا في الترهات التي لا نور فيها: وإنما رأوا أصل ذلك شيئًا سموه، أو وجدوا رسمه أثارة من نبوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في اعتبار خلائق الملكوت للدلالة على بارئه. فأردوا تلك السبيل بغير نية فأخطأوها.[17]

وأخطاء الفكر مثل هذا جاء الأنبياء ليصلحوها.

6.4.4 الفارابي

في آخر إحصاء العلوم يناقش الفارابي إمكانيات النزاع مختلفة بين "الملل"، فحواه مذاهب العلماء والفلاسفة. ويتكلم أولاً عن موقف الحنبلة:

وأما الوجوه والآراء التي ينبغي أن تنصر. بها الملل، فإن قوماً من المتكلمين يرون أن ينصروا الملل بأن يقولوا إن آراء الملل، ركل ما فيها من الأوضاع، ليس سبيلها أن تمتحن بالآراء والرؤية والعقول الإنسية، لأنها أرفع رتبة منها: إذ كانت مأخوذة عن وحي إلهي، ولأن فيها أسراراً إلهية تضعف عن إدراكها العقول الإنسية ولا تبلغها.

وأيضاً فإن اللإنسان إنما سبيله أن تفيده الملل بالوحي ما شأنه أن لا يدركه بعقله وما يخور عقله عنه، وإلا فلا معنى للوحي ولا فائدة إذا كان إنما يفيد الإنسان ما كان يعلمه وما يمكن إذا تأمله أن يدركه بعقله. ولو كان كذلك لوكل الناس إلى عقولهم، ولما كانت بهم جاحة إلى نبوة ولا إلى وحي...

ثم ليس هذا فقط، بل وما تستنكره عقولنا أيضاً، فإنه كل ما كان أشد استنكاراً عندنا كان أبلغ في أن يكون أكثر فوائد، وذلك أن التي تأتي بها الملل مما تستنكره العقول وتستبشعه الأوهام ليست هي في الحقيقة منكرة ولا محالة، بل هي صحيحة في العقول الإلهية. فإن الإنسان وإن بلغ نهاية الكمال في الإيسانية فإن منزلته عند ذوي العقول الإلهية منزلة الصبي والحدث والغمر عند الإنسان الكامل. فكما أن كثيراً من الصبيان والأغمار يستنكرون بعقولهم أشياء كثيرة مما ليست في الحقيقة منكرة ولا غير ممكنة.[18]

ثم يتكلم عن موقف الأشاعرة:

وقوم منهم آخرون يرون أن ينصروا المللة بأن ينصبوا لها أولاً جميع ما صرح به واضع الملة بالألفاظ التي بها عبر عنها، ثم يتتبعون المحسوسات والمشهورات والمعقولات: فما وجدوا منها أو من اللوازم عنها، وإن بعد، شاهداً لشيء مما في الملة نصروا به دلك الشيء، وما وجدوا منها مناقضاً لشيء مما في الملة وأمكنهم أن يتأولوا اللفظ الذي به عبر عنه واضع الملة على وجه موافق لذلك المناقض، ولو تأويلاً بعيداً، تأولوه عليه. وإن لم يمكنهم ذلك وأمكن أن يزيف المناقض أو أن يحملوه على وجه يوافق ما في الملة فعلوه. فإن تضادت المشهورات والمحسوسات في الشهادة مثل أن تكون المحسوسات أو اللوازم عنها توجب شيئاً والمشهورات أو اللوازم عنها توجب ضد ذلك، نظروا إلى أقواهما شهادة لما في الملة فأخذوه وأطرحوا الآخر وزيفوه.

فإن لم يمكن أن تحمل لفظة الملة على ما يوافق أحد هذه ولا أن يحمل شيء من هذه على ما يوافق المة، ولم يمكن أن يطّرح ولا أن يزيف شيء من المحسوسات ولا من المشهورات ولا من المعقولات التي تضاد شيئاً منها رأوا حينئذ أن ينصر ذلك الشيء بأن يقال إنه حق لأنه أخبر به من لا يجوز أن يكون قد كذب ولا غلط. ويقول هؤلاء في هذا الجزء من الملة ما قاله أولئك الأولون في جميعها.[19]

ثم يتكلم عن موقف الفلاسفة ("سائر الملل") وما ينيلهم من الاضطهاد:

وقوم من هؤلاء (المتكلمين) رأوا أن ينصروا أمثال هذه الأشياء، يعني التي يخيل فيها أنها شنعة، بأن يتتبعوا سائر الملل فيلتقطوا الأشياء الشنعة التي فيها: فإذا أراد الواحد من أهل تلك الملل تقبيح شيء مما في ملة هؤلاء، تلقاه هؤلاء بما في ملة أولئك من الأشياء الشنعة فدفعوه بذلك عن ملتهم.

وآخرون منهم (المتكلمين) لما رأوا أن الأقاويل التي يأتون بها في نصرة أمثال هذه الأشياء ليست فيها كفاية في أن تصح بها تلك الأشياء صحة تامة، حتى يكون سكوت خصمهم (الفيلسوف) عنهم لصحتها عنده، لا لعجز عن مقاومتهم فيها بالقول، اضطروا عند ذلك إلى أن يستعملوا معه الأشياء التي تلجئه إلى أن يسكت عن مقاومتهم، إما خجلاً وحصراً أو خوفاً من مكروه يناله.

وآخرون لما كانت ملتهم عند أنفسهم صحيحة لا يشكون في صحتها، رأوا أن ينصروها عند غيرهم ويحسنوها ويزيلوا الشبهة منها ويدفعوا خصومهم عنها بأي شيء اتفق. ولم يبالوا أن يستعملوا الكذب والمغالطة والبهت والمكابرة، لأنهم رأوا أن من يخالف ملتهم أحد رجلين: إما عدو، والكذب والمغالطة جائز أن يستعملا في دفعه وفي غلبته، كما يكون ذلك في الجهاد والحرب، وإما ليس بعدو ولكن جهل حظ نفسه من هذه الملة لضعف عقله وتمييزه، وجائز أن يحمل الإنسان على حظ نفسه بالكذب والمغالطة، كما يفعل ذلك بالنساء والصبيان.[20]

6.4.5 مسكويه

لمسكويه، إن الفلاسفة والأنبياء يرون الحقائق نفسها، "وإذا قابل بها أهل الحقائق من العلوم كانت موافقة لأن المبادئ والعلل واحدة وكذلك العواقب والمصائر، فإذا أخبر بها من وصل إليها من أسفل بالتفلسف اتفق رأيهما وصدق أحدهما الآخر لأنهما متفقان في تلك الحقائق، إلا أن الفرق بينهما أن أحدهما ارتقى من أسفل والآخر من عل. وكما أن المسافة بين السطح والقرار واحدة ولكنها بالإضافة إلى من في القرار تسمى صعوجاً، وباللإضافة إلى من في السطح تسمى هبوطاً، كذلك الحال في تلك العلوم والمشاهدات عند من يرتقي إليها وعند من تنحط إليه، إلا أن تلك الحقائق إذا انحطت لم يكن بد من أن تنصبغ بصبغ هيولاني لأجل القوة المتخيلة، وكما أن الأمور الهيلانية إذا ارتقت إلى العقل بسطها وسلخ عنها الصور التي كانت لها، كذلك الأمور العقلية إذا انحطت إلى القوة المتخيلة ركبتها وألبستها صورة هيولانية ملائمة."[21]

6.4.6 ابن سينا

موقف ابن سينا في العلاقة بين النقل والعقل يعتمد على هاجسه في أصل المعرفة، وهو أن العقل الفعال يفيض كل العلم العقلي، إما مباشرة في العقل الهيولاني أو المخيلة، وإما غير مباشرة، بواسطة المحسوسات أو التفكر. فإذاً إن المقرفة العقلية لا تختلف عن النبوة بالجوهر، فإن كلتيهما مقبولتان من الأعلى. والفرق الوحيد هو أن النبوة إنما تأتي مباشرة.

ويبين هذا في العلم اللدني: "اعلم أعانك الله، إن العلم قسمين: أحدهما شرعي والآخر عقلي. وأكثر العلوم العقلية شرعية عند عارفها، وأكثر العلوم الشرعية عقلية عند عالمها: ومن لم يجعل له نوراً فما له من نور (النور، 40).[22]

وفي الرسالة الأحضوية في المعاد إن ابن سينا أكثر صراحاً، عندما يتكلم عن صعوبة الجمهور ليفهموا الحقائق المجردة عن أمثلة والمجاز: "أما أمر الشرع فينبغي أن يعلم فيه قانون واحد وهو أن الشرع والملة الآتية على لسان نبي من الأنبياء يرام بها خطاب الجمهور كافة... (والقرآن) أتى بعضع على سبيل التشبيه في الظاهر، وبعضه تنزيه مطلقاً عام جداً لا تخصيص ولا تفسير له. وأما الأخبار التشبيهية فأكثر من أن تحصى، ولكنه لقوم أن لا يقبلوه. فإذا كان الأمر في التوحيد هذا، فكيف فيما هو بعده من الأمور الاعتقادية؟"[23] ورغم أن يقبل ابن سينا أن بعض الآيات يلزم أن تفهم بمعناها الظاهرة، نختتم بالقول: "فهذا كله هو الكلام على تعريف من طلب أن يكون خاصاً من الناس لا عاماً أن ظاهر الشرائع غير محتج به في مثل هذه الأبواب.[24]

وفي أخر الرسالة في أقسام العلوم العقلية ينتج بالقول: "فقد دللت على أقسام الحكمة الظهر أنه ليس شيء منها يشتمل على ما يخالف الشرع، فإن الذين يدعونها ثم يزيغون عن منهاج الشرع إنما يضلون من تلقاء أنفسهم ومن عجزهم وتقصيرهم لا أن الصناعة نفسها توجبه فإنها بريئة منهم."[25]

6.4.7 ابن جبير (Gabirol)

رغم أن عالم ابن جبير كان عالم الفيض لأفلوطين بجوهره، يصلح ابن جبير هذا المنظر بالعقيدة اليهودية في خلق العقل والنفس الكلية والمادة الكلية وكل الجزئيات في بدء وقتي. وإنما يحفظ قدم الإرادة أو الكلمة. أما العقل الأفلاطوني، الذي صار العقل الفعال للفلاسفة الأخر، ظهر له كمناسب لمقولة الحكمة في الكتب المقدسة. ولا ريب أن الفكر المسيحي للكلمة أو λόγος كان بعيداً عن غرض ابن جبير.

6.4.8 ابن طفيل

بعد وصول أسال إلى الجزيرة حيث وجد بن يقظان، بيّن له حي بن يقظان كل ما تعلم بعقله وحده. "فلما سمع أسال منه وصف تلك الحقائق والذوات المفارقة لعالم الحس العارفة بذات الحق عز وجل، ووصفه ذات الحق تعالى وجل بأوصافه الحسنى، ووصف له ما أمكنه وصفه مما شاهده عند الوصول من لذات والواصلين وآلام المحجوبين، لم يشك أسال في أن جميع الأشياء التي وردت في شريعته من أمر الله عز و جل، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره، هي أمثلة هذه التي شاهدها حي بن يقظان، فانفتح بصر قلبه وانقدحت نار خاظره وتطابق عنده المعقول والمنقول، وقربت عليه طرق التأويل، ولم يبق عليه مشكل في الشرع إلا تبين له، ولا مغلق إلا انفتح، ولا غامض إلا اتضح، وصار من أولي الألباب."[26]

بعد ذلك وصف أسال العقائد الإسلامية، ويعقل حي بن يقظان جميعها، "إلا أنه بقي في نفسه أمران كان يتعجب منهما ولا يدري وجه الحكمة فيهما:

أحدهما — لمَ ضرب هذا الرسول الأمثال للناس في أكثر ما وصفه من أمر العالم الإلهي، وأضرب عن المكاشفة حتى وقع الناس في أمر عظيم من التجسيم، واعتقاد أشياء في ذات الحق هو منزه عنها وبريء منها؟ وكذلك في أمر الثواب والعقاب.

والأمر الآخر — لمَ اقتصر على هذه الفرائض ووظائف العبادات وأباح الاقتناء للأموال والتوسع في المأكل، حتى يفرغ اناس للاشتغال بالباطل والإعراض عن الحق؟

ولا يجيب أسال على هتين المشكلتين. فاشتد إشفاق حي بن يقظان على بلادة الناس وسوء رأيهم وضعف عزمهم، وطلب أسال أن يوصله إلى أولائك الناس ليوضح الحق لديهم. فذهب إلى عمران المسليمين ووعظ لهم. "فلما فهم أحوال الناس وأن أكثرهم بمنزلة الحيوان غير الناطق، علم أن الحكمة كلها والهداية والتوفيق فيما نطقت به الرسل ووردت به الشريعة لا يمكن غير ذلك ولا يحتمل المزيد عليه. فلكل عمل رجال وكل ميسر لما خلق له 'سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا'."[27]

6.4.9 ابن رشد

في تهافت التهافت

كتب ابن رشد تهافت التهافت نحو السنة 1180، يجيب نقطة بعد نقطة نقد تهافت الفلاسفة للغزالي. ويقول أولاً: "الكلام في علم البارئ سبحانه وتعالى بذاته وبغيره مما يحرخ على طريق الجدل في حال المناظرة فضلاً عن أن يثبت في كتاب، فإنه لا تنتهي أفهام الجمهور إلى مثل هذه الدقائق. وإذا خيض معهم في هذا، بطل معنى الإلهية عندهم، فلذلك كان الخوض في هذا العلم محرماً عليهم... فهذه المسألة هي خاصة بالعملاء الراسخين الذين أطلعهم الله على الحقائق... فالكلام في هذه الأشياء مع الجمهور هو مبمنزلة من يسقؤ السموم."[28]

والوحي ساكت في بعض الأمور، يترك العقل ليبحث فيها: "وبخاصة شريعتها هذه الإلهية التي ما من مسكوت عنه فيها من الأمور العلمية إلا وقد نبه الشرع على ما يؤدي إليه البرهان فيها وسكت عنها في التعليم العام."[29] أما الفلسفة فهي محدودة، "ولذلك يجب على كل إنسان أن يسلم مبادئ الشريعة وأن يقلد فيها، ولا بد، الواضع لها، فإن جحدها. والمناظرة فيها مبطل لوجود الإنسان، ولذلك وجب قتل الزنادقة. فأذي يجب أن يقال فيها: إن مبادئها هي، أمور إلهية تفوق العقول الإنسانية، فلا بد أن يعترف بها، مع جهل أسبابها."[30]

"كل نبي حكيم، وليس كل حكيم نبياً."[31] والوحي نظرة إلى ما سيحدث عن طبيعة الأشياء: "والمنامات والوحي، كما قلنا، إنما هو إعلام بهذه الطبيعة، الموجودات الممكنة، والصنائع التي تدعي تقدمة المعرفة بما يوجد في المستقبل إنما عندها آثار نزرة من آثار هذه الطبيعة، الخلقة، أن كيف شئت أن تسميها، أعني المحصلة في نفسها التي يتعلق بها العلم."[32]

في فصل المقال

في الوقت نفسه كتب ابن رشد فصل المقال:

فإن الغرض من هذا الفول أن نفحص، على جهة النظر الشرعي، هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع، أم محظور، أم مأزور به، إما على جهة الندب، وإما على جهة الوجوب.

فنقول: إن كان فعل الفلسفة ليس شيئاً أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، أعني من جهة ما هي مصنوعات، فإن الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها. وإنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كات المعرفة بالصانع أتم، وكان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات، وحثّ على ذلك.

فبيّن أن ما يدل عليه هذا الاسم إما واجب بالشرع، وإما مندوب إليه.

فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل وتطلب معرفتها به، فذلك بيّن في غير ما آية من كتاب الله تبارك وتعالى، مثل...

لذلك يجب علينا أن نعرف القياس العقلي وشرائط البرهان والفلسفة كلها. ولهذا يلزم مطالعة كتب القدماء. "فإنه ليس منها صناعة يقدر أن ينشئها واحد بعينه، فكيف بصناعة الصنائع، وهو الحكمة؟ وإذا كان هذا هكذا، فقد يجب علينا... أن ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم. فما كان منها موافقاً للحق قبلناه منهم وسررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبّهنا عليه وحذّرنا منه وعذرناهم."[33]

ثم يميز طباع الناس المتفاضلة في التصديق:

  1. فمنهم من يصدق بالبرهان — الفلاسفة
  2. ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية تصديق صاحب البرهان بالبرهان، إذ ليس في طباعه أكثر من ذلك — المتكلمون الأشاعرة والمعتزلة
  3. ومنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية كتصديق صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية — جمهور المسلمين

وإن طريق الفلاسفة إلى المعرفة الأكمل يجب عليهم أن يتبع هذا الطريق. "بل نقول إن مثل من منع النظر في كتب الحكمة من هو أهل لها، من أجل أن قوماً من أراذل الناس قد يُظن بهم أنهم ضلوا من قبل نظرهم فيها، مثل من منع العطشان شرب الماء البارد العذب حتى مات من العطش، لأن قوماً شرقوا به فماتوا. فإن الموت عن الماء بالشرق أمر عارض، وعن العطش أمر ذاتي وضروري."[34]

ثم يبين ابن رشد أن الفلسفة والوحي يتفقان. والرشديون اللاتينيون اُتهموا بتعليم "الحق المضعف"، فحواه أن ما كان حقنقاً في الفلاسفة يكمنه أن يكون كاذباً في علم اللاهوت، وبالعكس. أما في فصل المقال فيقول ابن رشد: "فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع. فإن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له."[35]

وإذا كان هذا هكذا، فإن أدى النظر البرهاني إلى نحو ما من المعرفة بموجود ما... وإن كانت الشريعة نطقت به فلا يخلو ظاهر النطق أن يكون موافقاً لما أدى إليه البرهان فيه أو مخالفاً. فإن كان موافقاً، فلا قول هناك. وإن كان مخلفاً، طلب هنالك تأويله...

وإذا كان الفقيه يفعل هذا في كثير من الأحكام الشرعية، فكم بالحري أن يفعل ذلك صاحب علم البرهان؟ فإن الفقيه إنما عنده قياس ظني، والعارف عنده قياس يقيني. ونحن نقطع قطعاً أن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي. وهذه القضية لا يشك فيها مسلم، ولا يرتاب بها مؤمن.[36]

والمضنون هنا أن صيغة القرآن خطابية تحتمل تفسير معان مختلفة، أما الفلسفة فإنها تعرض الحق بصيغة معقولة لا متغيرة. ورغم هذا، يعترف ابن رشد حاجة الجمهور:

وأما الأشياء التي لخفائها لا تُعلم إلا بالبرهان فقد تلطف الله فيها لعباده الذين لا سبيل لهم إلى البرهان، إما من قبل فطرهم، وإما من قبل عادتهم، وإما من قبل عدمهم أسباب التعلم، بأن ضرب لهم أمثالها وأشباهها ودعاهم إلى التصديق بتلك الأمثال، إذ كانت تلك الأمثال يمكن أن يقع التصديق بها بالأدلة المشتركة للجميع، أعني الجدلية والخطابية. وهذا هو السبب في أن انقسم الشرع إلى ظاهر وباطن. فإن الظاهر هو تلك الأمثال المضروبة لتلك المعاني، والباطن هو تلك المعاني التي لا تنجلي إلا لأهل البرهان.[37]

ويسأل ابن رشد "هل يجوز أن يؤدي البرهان إلى تأويل ما أجمعوا على ظاهره، أو ظاهر ما أجمعوا على تأويله؟ — قلنا: أما لو ثبت الإجماع بطريق يقيني فلم يصح، وأما إن كان الإجماع فيها ظنياً فقد يصح." والإجماع مهم فإنه ما يؤسس رواية القرآن والحديث كوحي. ولكن يقول ابن رشد "إنه ليس يمكن أن يقرر الإجماع في مسألة ما في عصر ما إلا:

  1. باأن يكون ذلك العصر عندنا محصوراً،
  2. وأن يكون جميع العلماء الموجودين في ذلك العصر معلومين عندنا، أعني معلوماً أشخاصهم ومبلغ عددهم،
  3. وأن ينقل إلينا في المسألة مذهب كل واحد منهم نقل تواتر.
  4. ويكون مع هذا كله قد صح عندنا أن العلماء الموجودين في ذلك الزمان متفقون على أنه ليس في الشرع ظاهر أو باطن.
  5. وأن العلم بكل مسألة يجب أن لا يكتم عن أحد.
  6. وأن الناس طريقهم واحد في علم الشريعة.[38]
    فإن قلتَ: فإذا لم يجب التكفير بخرق الإجماع في التأويل إذ لا يُتصور في ذلك إجماع، فما تقول في الفلاسفة من أهل الإسلام، كأبي نصر وابن سينا؟ فإن أبا حامد قد قطع بتكفيرهما في كتابه المعروف ب"التهافت"... وقد تبين من قولنا أنه ليس يمكن أن يتقرر إجماع في أمثال هذه المسائل.[39]

ثم يجيب ابن رشد تهمات الغزالي للفلاسفة في بعض المسائل:

  1. نفي العلم الإلهي للجزئيات — "بل يرون أنه تعالى يعلمها بعلم غير مجانس لعلمنا بها، وذلك أن علمنا بها معلول للمعلوم به، فهو محدث بحدوثه ومتغير بتغيره. وعلم الله سبحانه بالوجود على مقابل هذا، فإنه علة للمعلموم الذي هو الموجود."
  2. إثبات قدم العالم — "فهو موجود لم يكن من شيء، ولا تقدمه زمان، ولكنه موجود عن شيء، أعني عن فاعل، وهذ هو العالم بأسره."
  3. تأويل بعض الآيات — "وهذا كله مع أن هذه الآراء في العالم ليست على ظاهر الشرع، فإن ظاهر الشرع إذا تُصُفح ظهر من الآيات الواردة في الأنباء عن إيجاد العالم أن صورته محدثة بالحقيقة، وأن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين، أعني غير منقطع... فالمتكلمون ليسا في قولهم أيضاً في العالم على ظاهر الشرع، بل متأولون. لإإنه ليس في الشرع أن الله كان موجوداً مع العدم المحض."
  4. في أحوال المعاد، نفي البعث البدني — "إن هذه المسألة الأمر فيها بيّن أنها من الصنف المختلف فيه... وقوم آخرون أيضاً ممن يتعاطي البرهان ينـولونها... أعني في صفة المعاد لا في وجوده، إذا كان التأويل لا يؤدي إلى نفي الوجود... وأما من كان من غير أهل العلم، فالواجب عليه حملها على ظاهرها، و تأويلها في حقه كفر، لأنه يؤدي إلى الكفر... ولهذا يجب أن لا تُثبت التأويلات إلا في كتب البراهين، لأنها إذا كانت في كتب البراهين لم يصل إليها إلا من هو من أهل البرهان. أما إذا أثبتت في غير كتب البرهان واستعمل فيها الطرق الشعرية والخطابية أو الجدلية، كما يصنعه أبو حامد، فخطأ على الشرع وعلى الحكمة.[40]

والذي يجب على أئمة المسلمين أن ينهوا عن كتبه التي تتضمن العلم، إلا من كان من أهل العلم، كما يجب عليهم أن ينهوا عن كتب البرهان من ليس أهلاً لها... ولكن منعها بالجملة صاد لما دعا إليه الشرع، لأنه ظلم لأفضل أصناف الناس ولأفضل أصناف الموجودات إذا كان العدل في أفضل أصناف الموجودات أن يعرفها على كنهها مَن كان معداً لمعرفتها على كنهها، وهم أفضل أصناف الناس.[41]

الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة، فالإذاية ممن يُنسب إليها هي أشد الإذانية — مع ما يقع بينهما من العداوة والبغضاء والمشاجرة، وهم المصطحبتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة.[42]

في الكشف عن مناهج الأدلة

"وقد بقي علينا مما وعدنا به أن ننظر فيما يجوز من التأويل في الشريعة وما لا يجوز، وما جاز منه فلمن يجوز." وما عدا "أن يكون المعنى الذي صرح به بعينه المعنى الموجود بنفسه،" "ينقسم أربعة أقسام:

  1. أولها: أن يكون المعنى الذي صرح بمثاله لا يعلم وجوده إلا بمقاييس بعيدة مركبة تتعلم في زمان طويل، وصنائع جمة، وليس يمكن أن تقبلها إلا الفظر الفائقة ولا يعلم أن المثال الذي صرح به فيه هو غير الممثل إلا بمثل هذا البعد الذي وصفناه. — فتأويله خاص في الراسخين في العلم، ولا يجوز التصريح به لغير الراسخين.
  2. والثاني: مقابل هذا،و وهو أن يكون يعلم بعلم قريب منه الأمران جميعاً، أعني كون ما صرح به أنه مثال، ولماذا هو مثال. — فتأويله هو المقصود منه والتصريح به واجب.
  3. والثالث: أن يكون يعلم بعلم قريب أنه مثال لشيء ويعلم لماذا هو مثال بعلم بعيد. — فإن الواجب في هذا أن لا يتأوله إلا الخواص والعلماء، ويقال للذين شعروا أنه مثال ولم يكونوا من أهل العلم لماذا هو مثال... وأبو حامد لم يفصل الأمر في ذلك مثل أن يكون الموضع يعرف منه الأمران جميعاً بعلم بعيد، أعني كونه مثالاً ولماذا هو مثال، فيكون هناك شبهة توهم بادئ الرأي أنه مثال، وتلك الشبهة باطلة، فإن الواجب في هذا أن تبطل تلك الشبهة ولا يعرض للتأويل، كما عرفناك في هذا الكتاب في مواضع كثيرة عرض فيها هذا الأمر للمتكلمين، أعني الأشعرية والمعتزلة.
  4. والرابع: عكس هذا، وهو أن يعلم بعلم قريب لماذا هو مثال ويعلم بعلم بعيد أنه مثال. — فيحتمل أن يقال إن الأحفظ بالشرع أن لا تتأول هذه، وتبطل عند هؤلاء (من الجمهور) الأمور التي ظنوا من قبلها أن ذلك القول مثال، وهو الأولى... إلا أن هذين صنفين (3 & 4) متى أبيح التأويل فيها تولدت منها اعقادات غريبة وبعيدة من ظاهر الشريعة، وربما فشت فأنكرها الجمهور، وهذا هو الذي عرض للسوفية ولمن سلك من العلماء هذا المسلك. ولما تسلط على التاويل في هذه الشريعة من لم تتميز له هذه المواضع ولا تميز له الصنف من الناس الذين يجوز التأويل في حقهم اضطر الأمر فيها وحدث فيهم فرق متباينة يكفر بعضهم بعضاً، وهذا كله جهل بمقصد الشرع وتعد عليه.[43]

6.10 موشي بن ميمون

ربما احتسب موشي بن ميمون أن مكتوباته ستصادم عقلية الجمهور. ولذلك حث على سامعيه ألا يكتبوا هذه عوامض التوراة من تعليمه.[44] ومقدمة فكره أن نصوص التورة التشبيهية يلزم أن لا تفهم حرفياً. وإن الجزء الأول حميعه يبين هذه المقدمة. وفي سائر الكتاب يستغرق حيزاً واسعاً في تفسير التورة، يحاول أن ينظر أن ما يسرد كالحق الفلسفي يوافق التورة.

ويقبل أن النص يمكن أن يقبل تآويل مختلفة، بحيث يعتمد الخلق القديم مثلاً أو ينفيه. ولكن يقول إنه ليس برهان قدم العالم. وأيضاً إن حدوث العالم أثر مناسب بحرية اختيار الله لشعب معين في وقت معين، وبعث بعض الأنبياء وعمل المعجزات بهم، كل ذلك باختياره الحر. وأيضاً إن حدوث العالم يوافق تعليم الاحبار التقليدي.

6.5 توما الأكويني

ضد الحمبلة والأشاعرة الذين يعلون الوحي على حساب العقل، وضد محمد الرازي الذي اعترف بالعقل وحده، يوفق توما الأكويني سائر المكلمين والفلاسفة العرب الذين يعترفون قيام العقل والوحي بنفسيهما. فكل منهما يهدي الإنسان إلى ما لا يهدي الأخر من الحقيقة، ولكنهما يشتركان في كشف بعض الحقائق الأساسية في ما يمت إلى الله والإنسان والخلق بصفة عامة.[45]

هل يمكنهما أن يتناقضان؟ إن الله قد وهبنا العقل بحيث نعلم بعض الحقائق معرفة يقينة قطعية، حتى كان نفها مستحيلاً. كذلك يستحيل نفي حقيقة العقائد التي يثبها الوحي. فإذاً ما يناقض أياً من هذين نوعي الحقيقة لا يمكنه أن يصدر من الله ولكن يأتي من التعقل الخاطئ. ونتائج مثل هذه الاستنباطات لا صحة لها، وإنما تتمتع ظاهرة الحق.[46]


خاتمة

إنما رسمت ملخص موضوع واسع يستحق درساً مفصلاً في جزئياته. ولعلنا ننعجب بعظمة البحث الذي استغرق فيه هؤلاء الفلاسفة، يواجهون المسائل الغامضة التي تمس أساس الحياة الإنسانية والمجتمع والدين — المسائل التي هيجت متفكرين في كل العصر— وهذا برغم معارضة شديدة.

ولو كان ادعاء بعضهم، مثل ابن رشد، للبرهان اليقين فيما كتبوا مجاناً، وكان أغلب حججهم جدلية وأحياناً خاطئة وجاهلة، إنهم نجحوا في تحليل كل أنحاء تقريباً من المسائل التي ناقشوا، وفكرهم، مع كل انقلاب العلم في القرون المتأخرة، ما زال نافعاً في مناقشة المسائل نفسها في العصر الحاضر.

وفي هذا الكتاب دائماً قارنت فكر الفلاسفة العرب مع أقوال توما الأكويني وموشي بن ميمون. وإنها منتسبان إلى عالم الفكر مشترك مع العرب، وواجها المسائل نفسها من جانب ملتيهما الخاصتين، وكانت أجوبتهما فائقة الدقة والصواب. ولكن من المعروف ان توما الأكويني استعار كثيراً من ابن سينا وابن رشد وميشي بن ميمون، وغيرهم من الفلاسفة والمتكلمين.

بدون التسليم إلى مبدأ "نسبية الحق"، نقول أننا دائماً في طلب فهم أحسن للحق. وفي مشروع التقدم يلزم أن نغرس جذورنا بأكثرثبوت في ما تقدم. فلن نصل أبداً إلى قمة حيث نستطيع أن نطرد السُلم الذي صعدنا عليه. وهكذا تتبين القيمة الدائمة لمعرفة فلسفة القدماء، وخاصة الفلاسفة العرب.

أنتنا أن يكون هذا الكتاب مفيداً لمن يريد المغامرة في الفلسفة العربية بروح نقدية، ليجد أجوبة مرضية للمسائل التي تهمه ويصل في النهاية إلى الحق المحض. وبلله التوفيق.


NOTES

[1] Cf. Henri Laoust, Le Traité de droit public d'Ibn Taimiyya (Beirut: Institut franais de Damas, 1948) et Les schismes dans l'Islam, introduction à une étude de la religion musulmane (Paris: Payot, 1965).

[2] Cf. Jacques Jomier, Le commentaire coranique du Manâr and Introduction à l'Islam actuel.

[3] Cf. Abû-l-`Alâ Maudûdî, Fundamental principles of Islamic political theory, Islamic law and constitution,Political theory of Islam, and Towards understanding Islam.

[4] Cf. Olivier Carré, Mystique et politique, lecture révolutionnaire du Coran par Sayyid Qutb, Frère Musulman radical.

[5] إحيا علوم الدين، كتاب 1، باب 3، ص 33.

[6] أيها الولد، ص 127.

[7] أيها الولد، ص 128.

[8] أيها الولد، ص 131.

[9] رسالة في كمية كتب أرسطوطاليس، ص 372-373.

[10] رسالة في كمية كتب أرسطوطاليس، ص 376.

[11] كتاب الفلسفة الأولى، ص 34-35.

[12] العلم الإلهي، #5، ص 178.

[13] أبو حاتم الرازي: المناظرات، ص 293.

[14] أبو حاتم الرازي: المناظرات، ص 295-296، 303.

[15] أبو حاتم الرازي: المناظرات، #3. انظر Fabienne Brion, “Philosophie et révélation: traduction annotée de six extraits du Kitâb a`lâm al-nubuwwa d’Abû-Hâtim al-Râzî, Bulletin de philosophie médiévale, 28 (1986), 136-162.

[16] رسالة الاعتبار، ص 61-64.

[17] رسالة الاعتبار، ص 69.

[18] إحصاء العلوم، ص 132-133.

[19] إحصاء العلوم، ص 135-136.

[20] إحصاء العلوم، ص 136-138.

[21] الفوز الأصغر، ص 128.

[22] العلم اللدني، ص 191.

[23] الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 43-49.

[24] الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 63.

[25] الرسالر في أقسام العلوم العقلية، ص 94.

[26] حي بن يقظان، ص 226.

[27] حي بن يقظان، ص 230-233.

[28] تهافت التهافت، ص 550-553، 558، 624-625، 646-649، 735.

[29] تهافت التهافت، ص 651.

[30] تهافت التهافت، ص 791-792، 866-869.

[31] تهافت التهافت، ص 868.

[32] تهافت التهافت، ص 798.

[33] فصل المقال، ص 40.

[34] فصل المقال، ص 41.

[35] فصل المقال، ص 42.

[36] فصل المقال، ص 42-43.

[37] فصل المقال، ص 55.

[38] فصل المقال، ص 45-46.

[39] فصل المقال، ص 47.

[40] فصل المقال، ص 48-52، 57-58.

[41] فصل المقال، ص 58.

[42] فصل المقال، ص 68.

[43] الكشف عن مناهد الأدلة، ص 155-158.

[44] دلالة الحائرين، ص 183.

[45] Contra gentiles, I, nos. 4-6.

[46] Contra gentiles, I, nos. 7-8.