ذكر كتاب رسول الله صلعم إلى المقوقس

حدثنا هشام بن اسحاق وغيره قال لما كانت سنة ست من مهاجرة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ورجع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الحديبية بعث الى الملوك

حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني عبد الرحمن بن عبد القارى ء أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قام ذات يوم على المنبر فحمد الله واثنى عليه وتشهد ثم قال أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك العجم فلا تختلفوا علي كما اختلف بنو اسرائيل على عيسى بن مريم وذلك أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الأرض فبعث الحواريين فأما القريب مكانا فرضي وأما البعيد مكانا فكره وقال لا أحسن كلام من تبعثني إليه فقال عيسى اللهم أمرت الحواريين بالذي أمرتني فاختلفوا علي فأوحى الله إليه إني سأكفيك فأصبح كل انسان منهم يتكلم بلسان الذي وجه إليه فقال المهاجرون يا رسول الله والله لا نختلف عليك ابدا في شيء فمرنا وابعثنا فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى

المقوقس صاحب الإسكندرية وشجاع بن وهب الأسدي إلى كسرى وبعث دحية بن خليفة إلى قيصر وبعث عمرو بن العاص إلى ابني الجلندى أميري عمان تم ذكر الحديث

ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق وغيره قال فمضى حاطب بكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلما انتهى إلى الإسكندرية وجد المقوقس في مجلس مشرف على البحر فركب البحر فلما حاذى مجلسه أشار بكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بين أصبعيه فلما رآه أمر بالكتاب فقبض وأمر به فأوصل إليه فلما قرأ الكتاب قال ما منعه إن كان نبيا أن يدعو علي فيسلط علي فقال له حاطب ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل به ويفعل فوجم ساعة ثم استعادها فأعادها عليه حاطب فسكت فقال له حاطب إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلى فانتقم الله به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا تعتبر بك وأن لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي الله به فقد ما سواه وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الانجيل ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به ثم قرأ الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام فأسلم تسلم وأسلم يؤتيك الله اجرك مرتين "يا أهل الكتاب تعالوا"

إلى كلمة "سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" فلما قرأه أخذه فجعله في حق من عاج وختم عليه

حدثنا عبد الله بن سعيد المذحجي عن ربيعة بن عثمان عن أبان بن صالح قال أرسل المقوقس إلى حاطب ليلة وليس عنده احد إلا ترجمان له فقال ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها فإني اعلم ان صاحبك قد تخيرك حين بعثك قلت لا تسألني عن شيء إلا صدقتك قال إلى ما يدعو محمد قال إلى أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتخلع ما سواه ويأمر بالصلاة قال فكم تصلون قال خمس صلوات في اليوم والليلة وصيام شهر رمضان وحج البيت والوفاء بالعهد وينهى عن اكل الميتة والدم قال من اتباعه قلت الفتيان من قومه وغيرهم قال فهل يقتل قومه قلت نعم قال صفه لي قال فوصفته بصفة من صفاته لم آت عليها قال قد بقيت اشياء لم أرك ذكرتها في عينيه حمرة قل ما تفارقه وبين كتفيه خاتم النبوة ويركب الحمار ويلبس الشملة ويجتزي بالثمرات والكسر لا يبالي من لاقى من عم ولا ابن عم قلت هذه صفته قال قد كنت اعلم أن نبيا قد بقي وقد كنت

أظن أن مخرجه الشأم وهناك كانت تخرج الانبياء من قبله فأراه قد خرج في العرب في أرض جهد وبؤس والقبط لا تطاوعني في اتباعه ولا أحب أن يعلم بمحاورتي إياك وسيظهر على البلاد وينزل اصحابه من بعده بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما ها هنا وأنا لا اذكر للقبط من هذا حرفا فارجع إلى صاحبك

ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق قال ثم دعا كاتبا يكتب بالعربية فكتب لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت وما تدعو إليه وقد علمت ان نبيا قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشأم وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وبكسوه وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام

حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب بن عبد الرحمن بن عبد القارى ء قال لما مضى حاطب بكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قبل المقوقس الكتاب وأكرم حاطبا وأحسن نزله صم سرحه الى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين إحداهما أم إبراهيم ووهب الأخرى لجهم بن قيس العبدري فهي أم زكرياء بن أبي جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر

ويقال بل وهبها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لحسان بن ثابت فهي أم عبد الرحمن بن حسان ويقال بل وهبها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لمحمد بن مسلمة الأنصاري ويقال بل لدحية بن خليفة الكلبي حدثنا النضر بن سلمة الشامي عن حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد

الليثي عن المنذر بن عبيد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أمه سيرين قالت حضرت موت إبراهيم فرأيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا فلما مات نهانا عن الصياح حدثنا عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة أن صفوان بن معطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن إبراهيم التيمي أن ثابت بن فيس بن شماس وثب على صفوان بن المعطل حين ضرب حسان فجمع يده الى عنقه بحبل فلقيه عبد الله بن رواحة فقال ما هذا فقال ضرب حسان بالسيف والله ما أراه إلا قد قتله قال هل علم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بشيء مما صنعت قال لا قال لقد اجترأت اطلق الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فذكروا ذلك له فدعا حسان وصفوان بن المعطل فقال آذاني يا رسول الله وهجاني فحملني الغضب فضربته فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أحسن يا حسان في الذي قد أصابك قال هو لك فأعطاه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عوضا منه بيرحاء وهو قصر بني حديلة اليوم كان مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق به إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأعطاه رسول الله حسانا في ضربته وأعطاه سيرين أمة قبطية فولدت له عبد الرحمن بن حسان بن ثابت حدثنا هانى ء بن المتوكل قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثني يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس لما أتاه كتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ضمه الى صدره وقال هذا زمان يخرج فيه النبي الذي نجد نعته وصفته في كتاب الله تعالى وانا لنجد صفته أنه لا يجمع بين أختين في ملك يمين ولا نكاح وأنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وان جلساءه المساكين وإن خاتم النبوة بين كتفيه ثم دعا رجلا عاقلا ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها وهما من أهل حفن بفتح أوله وسكون ثانيه ثم بعده نون من كورة أنصنا فبعث بهما الى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأهدى له بغلة شهباء وحمارا أشهب وثيابا من قباطي مصر وعسلا من عسل بنها وبعث إليه بمال صدقة وأمر رسوله أن ينظر من جلساؤه وينظر الى ظهره هل يرى شامة كبيرة ذات شعر ففعل ذلك الرسول فلما قدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قدم إليه الأختين والدابتين والعسل والثياب واعلمه أن ذلك كله هدية فقبل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الهدية وكان لا يردها من أحد من الناس

قال فلما نظر الى مارية وأختها اعجبتاه وكره أن يجمع بينهما وكانت إحداهما تشبه الأخرى فقال اللهم اختر لنبيك فاختار الله له مارية وذلك أنه قال لهما قولا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فبدرت مارية فتشهدت وآمنت قبل أختها ومكثت اختها ساعة ثم تشهدت وآمنت فوهب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اختها لمحمد بن مسلمة الانصاري وقال بعضهم بل وهبها لدحية بن خليفة الكلبي

حدثنا هاني بن المتوكل قال حدثنا عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن ابي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة المهري أحسبه عن عبد الله بن عمرو قال دخل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على أم إبراهيم أم ولده القبطية فوجد عندها نسيبا لها كان قدم معها من مصر وكان كثيرا ما يدخل عليها فوقع في نفسه شيء فرجع فلقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعرف ذلك في وجهه فسأله فأخبره فأخذ عمر السيف ثم دخل على مارية وقريبها عندها فأهوى إليه بالسيف فلما رأى ذلك كشف عن نفسه وكان مجبوبا ليس بين رجليه شيء فلما رآه عمر رجع إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأخبره فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن جبريل أتاني فأخبرني أن الله عز وجل قد برأها وقريبها وأن في بطنها غلاما مني وأنه اشبه الخلق بي وأمرني أن أسميه إبراهيم وكناني بأبي إبراهيم

حدثنا دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم قال حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن الزهري عن أنس قال لما ولدت أم إبراهيم إبراهيم كأنه وقع في نفس النبي {صلى الله عليه وسلم} منه شيء حتى جاءه جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا أبا إبراهيم ويقال أن المقوقس بعث معها بخصي فكان يأوي إليها

حدثنا أبو الحارث احمد بن سعيد الفهري قال حدثنا مروان بن يحيى الحاطبي قال حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن أدعج قال حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال بعثني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته بكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأنزلني في منزل وأقمت عنده ليالي ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته فقال إني سأكلمك بكلام وأحب أن تفهمه عني قلت هلم قال أخبرني عن صاحبك أليس هو بنبي قلت بلى هو رسول الله قال فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها قال فقلت له فعيسى بن مريم تشهد أنه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه أن لا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه في سماء الدنيا فقال أنت حكيم جاء من عند حكيم هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد وأرسل معك مبذرقة يبذرقونك إلى مأمنك فأهدى لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثلاث جوار منهن أم إبراهيم وواحدة وهبها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لأبي جهم بن حذيفة العدوي وواحدة وهبها لحسان بن ثابت وأرسل إليه بثياب مع طرف من طرفهم فولدت مارية لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} إبراهيم فكان من أحب الناس إليه حتى مات فوجد به رسول الله {صلى الله عليه وسلم}

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا حفص بن سليمان عن كثير بن شنظير عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} صلى على ابنه إبراهيم وكبر عليه أربعا

قال ورش الماء على قبره كما حدثنا ابن بكير قال حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا قريش بن حيان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال دخلنا مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على أبي سيف حين كان بالمدينة وكان ظئر إبراهيم ابن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأتاه بإبراهيم فشمه ثم دخلنا عليه وهو في الموت فذرف عيناه فقال له ابن عوف وأنت يا رسول الله قال إنها رحمة واتبعها بالاخرى تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما لا يرضي ربنا.

حدثنا أبي عبدالله بن عبدالحكم قال حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء ابنة يزيد أنها حدثته قالت لما توفي إبراهيم بكى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال أبو بكر وعمر أنت أحق من علم لله حقه قال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ولولا أنه وعد صادق وموعد جامع وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم أشد مما وجدنا وإنا بك لمحزونون.

حدثنا علي بن معبد قال حدثنا عيسى بن يونس عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال أخذ رسول الله بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى النخل الذي فيه ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه فوضعه في حجره ثم بكى فقال له عبد الرحمن بن عوف تبكي أو لم تكن نهيت عن البكاء قال لا ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان وصوت عند نغمة لهو ومزامير شيطان وهذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم ولولا أنه أمر حق ووعد صدق وأنها سبيل مأتية لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب

حدثنا النضر بن سلمة قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن الشامي قال حدثنا حاتم بن إسماعيل قال حدثنا أسامة بن زيد عن المنذر بن عبيد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أمه سيرين أخت مارية القبطية قالت رأى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فرجة في القبر يعني قبر إبراهيم فأمر بها فسدت فقيل يا رسول الله فقال أما أنها لا تضر ولا تنفع ولكن تقر بها عين الحي وإن العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه

حدثنا دحيم قال حدثنا مروان بن معاوية عن اسرائيل عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال كسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقام رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فعليكم بالدعاء حتى ينكشفا.

قال ولما ولدت أم ابراهيم كما حدثنا القعنبي عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال لما ولدت مارية قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أعتقها ولدها وكان سن إبراهيم بن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يوم مات كما حدثنا علي بن معبد عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن رجل

قد سماه عن ابيه عن البراء بن عازب ستة عشر شهرا فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن له ظئرا في الجنة يتم رضاعه حدثنا يزيد بن أبي سلمة عن عبد الواحد بن زياد قال حدثنا الحجاج بن أرطأة عن أبي بكر بن عمرو عن يزيد بن البراء عن أبيه قال لما توفي إبراهيم قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن له مرضعا في الجنة يتم بقية رضاعه ثم رجع إلى حديث يزيد بن أبي حبيب قال وكانت البغلة والحمار أحب دوابه إليه وسمى البغلة دلدل وسمى الحمار يعفور وأعجبه العسل فدعا في عسل بنها بالبركة وبقيت تلك الثياب حتى كفن في بعضها {صلى الله عليه وسلم}

حدثنا محمد بن عبد الجبار قال حدثنا موسى بن داود عن سلام عن عبد الملك بن عبد الرحمن عن الحسن العربي عن الأشعث بن طليق عن مرة بن المطلب أو الطيب عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا القاسم بن عبد الله عن عبيد الله بن عمر عن الثقة عن ابن مسعود قال قلنا يا رسول الله فيما نكفنك قال في ثيابي هذه أو في ثياب مصر قال محمد بن عبد الجبار في حديثه أو في ثياب مصر أو في حلة قال أحدهما أو في يمنة قال ابن أبي مريم قال ابن لهيعة وكان اسم أخت مارية قيصرا ويقال بل كان اسمها سيرين

وحدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن لهيعة عن الأعرج قال بعث المقوقس صاحب الإسكندرية بمارية وأختها حنة فأسكنها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في صدقته في بني قريظة

حدثنا هاني بن المتوكل قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وابن هبيرة أن الحسن بن علي كلم معاوية بن أبي سفيان في أن يضع الجزية عن جميع قرية أم إبراهيم لحرمتها ففعل ووضع الخراج عنهم فلم يكن على أحد منهم خراج وكان جميع أهل القرية من أهلها وأقربائها فانقطعوا إلا بيتا واحدا قد بقي منهم أناس

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال لو بقي إبراهيم ما تركت قبطيا إلا وضعت عنه الجزية وكانت وفاة مارية في المحرم سنة خمس عشرة ودفنت بالبقيع وصلى عليها عمر بن الخطاب وكان الرسول بها من قبل المقوقس كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ابن جبر ثم أن أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رياح اللخمي بعث حاطبا إلى المقوقس بمصر فمر على ناحية من قرى الشرقية فهادنهم وأعطوه فلم يزالوا على ذلك حتى دخلها عمرو بن العاص فقاتلوه فانتقض ذلك العهد قال عبد الملك وهي أول هدنة كانت بمصر

قال ابن هشام اسم أبي بلتعة عمرو بن حاطب اللخمي وفي ذلك يقول حسان بن ثابت كما حدثنا وثيمة بن موسى من الخفيف

قل لرسل النبي صاح إلى الناس شجاع ودحية بن خليفه * ولعمرو وحاطب وسليط ولعمرو وذاك رأس الصحيفه

في ابيات ذكر فيها رسل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى الملوك عمرو بن العاص ومصر

قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح قال فلما كانت سنة ثماني عشرة وقدم عمر رضي الله عنه الجابية خلا به عمرو بن العاص فاستأذنه في المسير إلى مصر وكان عمرو قد دخل مصر في الجاهلية وعرف طرقها ورأى كثرة ما فيها. وكان سبب دخول عمرو إياها كما حدثنا يحيى بن خالد العدوي عن ابن لهيعة ويحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد أنه بلغه أن عمرا قدم إلى بيت المقدس لتجارة في نفر من قريش فإذا هم بشماس من شمامسة الروم من أهل الإسكندرية قدم للصلاة في بيت المقدس فخرج في بعض جبالها يسبح وكان عمرو يرعى إبله وإبل أصحابه وكانت رعية الإبل نوبا بينهم فبينما عمرو يرعى إبله إذ مر به ذلك الشماس وقد أصابه عطش شديد في يوم الحر فوقف على عمرو فاستسقاه فسقاه عمرو من قربة له فشرب حتى روى ونام الشماس مكانه وكانت إلى جنب الشماس حيث نام حفرة فخرجت منها حية عظيمة فبصر بها عمرو فنزع لها بسهم فقتلها فلما استيقظ الشماس نظر إلى حية عظيمة قد أنجاه الله منها فقال لعمرو ما هذه فأخبره عمرو أنه رماها فقتلها فأقبل إلى عمرو فقبل رأسه وقال قد أحياني الله بك مرتين مرة من شدة العطش ومرة من هذه الحية فما أقدمك هذه البلاد قال قدمت مع أصحاب لي نطلب الفضل في تجارتنا فقال له الشماس وكم تراك ترجو أن تصيب في تجارتك قال رجائي أن أصيب ما اشتري به بعيرا فإني لا أملك إلا بعيرين فأملي أن أصيب بعيرا آخر فتكون لي ثلاثة أبعرة فقال له الشماس أرأيت دية أحدكم بينكم كم هي قال مائة من الإبل قال له الشماس لسنا أصحاب إبل إنما نحن أصحاب دنانير قال يكون ألف دينار فقال له الشماس إني رجل غريب في هذه البلاد وإنما قدمت أصلي في كنيسة بيت المقدس وأسبح في هذه الجبال شهرا جعلت ذلك نذرا على نفسي وقد قضيت ذلك وأنا أريد الرجوع إلى بلادي فهل لك أن تتبعني إلى بلادي ولك عهد الله وميثاقه أن أعطيك ديتين لأن الله عز وجل أحياني بك مرتين فقال له عمرو وأين بلادك قال مصر في مدينة يقال لها الإسكندرية فقال له عمرو لا أعرفها ولم ادخلها قط فقال له الشماس لو دخلتها لعلمت أنك لم تدخل قط مثلها فقال عمرو وتفي لي بما تقول و عليك بذلك العهد والميثاق فقال له الشماس نعم لك الله علي بالعهد والميثاق أن أفي لك وأن أردك إلى أصحابك فقال عمرو وكم يكون مكثي في ذلك قال شهرا تنطلق معي ذاهبا عشرة أيام وتقيم عندنا عشرا وترجع في عشر ولك علي أن احفظك ذاهبا وأن أبعث معك من يحفظك راجعا فقال له عمرو أنظرني حتى أشاور أصحابي في ذلك فانطلق عمرو إلى أصحابه فأخبرهم بما عاهده عليه الشماس وقال لهم تقيموا علي حتى أرجع إليكم ولكم علي العهد أن أعطيكم شطر ذلك على أن يصحبني رجل منكم آنس به فقالوا نعم وبعثوا معه رجلا منهم فانطلق عمرو وصاحبه مع الشماس إلى مصر حتى انتهى إلى الإسكندرية فرأى عمرو من عمارتها وكثرة أهلها وما بها من الأموال والخير فأعجبه ذلك وقال ما رأيت مثل مصر قط وكثرة ما فيها من الأموال ونظر إلى الإسكندرية وعمارتها وجودة بنائها وكثرة أهلها وما بها من الأموال فازداد عجبا ووافق دخول عمرو الإسكندرية عيدا فيها عظيما يجتمع فيه ملوكهم وأشرافهم ولهم أكرة من ذهب مكللة يترامى بها ملوكهم وهم يتلقونها بأكمامهم وفيما اختبروا من تلك الأكرة على ما وضعها من مضى منهم انها من وقعت الأكرة في كمه واستقرت فيه لم يمت حتى يملكهم فلما قدم عمرو الإسكندرية أكرمه الشماس الإكرام كله وكساه ثوب ديباج ألبسه إياه وجلس عمرو والشماس مع الناس في ذلك المجلس حيث يترامون بالأكرة وهم يتلقونها بأكامهم فرمى بها رجل منهم فأقبلت تهوي حتى وقعت في كم عمرو فعجبوا من ذلك وقالوا ما كذبتنا هذه الأكرة قط إلا هذه المرة أترى هذا الأعرابي يملكنا هذا ما لا يكون ابدا. وإن ذلك الشماس مشى في أهل الإسكندرية وأعلمهم أن عمرا أحياه مرتين وأنه قد ضمن له ألفي دينار وسألهم أن يجمعوا له ذلك فيما بينهم ففعلوا ذلك ودفعوها الى عمرو فانطلق عمرو وصاحبه وبعث معهما الشماس دليلا ورسولا وزودهما وأكرمهما حتى رجع وصاحبه إلى أصحابهما فبذلك عرف عمرو مدخل مصر ومخرجها ورأى منها ما علم أنها أفضل البلاد وأكثرها مالا فلما رجع عمرو إلى أصحابه دفع إليهم فيما بينهم ألف دينار وأمسك لنفسه ألفا قال عمرو وكان أول مال اعتقدته وتأثلته

فتح مصر

حدثنا عثمان بن صالح قال حدثنا ابن لهيعة عن عبيدالله بن أبي جعفر وعياش بن عباس القتباني وغيرهما يزيد بعضهم على بعض قالوا فلما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابية قام إليه عمرو فخلا به

وقال يا أمير المؤمنين إيذن لي أن أسير إلى مصر وحرضه عليها وقال إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونا لهم وهي أكثر الأرض أموالا وأعجزها عن القتال والحرب فتخوف عمر بن الخطاب على المسلمين وكره ذلك فلم يزل عمرو يعظم أمرها عند عمر بن الخطاب ويخبره بحالها ويهون عليه فتحها حتى ركن عمر لذلك فعقد له على أربعة آلاف رجل كلهم من عك ويقال بل ثلاثة آلاف وخمس مائة

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص دخل مصر بثلاثة آلاف وخمس مائة حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب مثله إلا أنه قال ثلثهم من غافق ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال فقال له عمر سر وأنا مستخير الله في مسيرك وسيأتيك كتابي سريعا إن شاء الله تعالى فإن أدركك كتابي آمرك فيه بالإنصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره فسار عمرو بن العاص من جوف الليل ولم يشعر به أحد من الناس واستخار عمر الله فكأنه تخوف على المسلمين في وجههم ذلك فكتب إلى عمرو بن العاص يأمره أن ينصرف بمن معه من المسلمين فأدرك الكتاب عمرا وهو برفح فتخوف عمرو بن العاص إن هو أخذ الكتاب وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه وسار كما هو حتى نزل قرية فيما بين رفح والعريش فسأل عنها فقيل إنها من أرض مصر فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين فقال عمرو لمن معه ألستم تعلمون أن هذه القرية من مصر

قالوا بلى قال فإن أمير المؤمنين عهد إلي وأمرني إن لحقني كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع ولم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر فسيروا وامضوا على بركة الله وعونه ويقال بل كان عمرو بفلسطين فتقدم بأصحابه إلى مصر بغير إذن فكتب فيه إلى عمر فكتب إليه عمر وهو دون العريش فحبس الكتاب فلم يقرأه حتى بلغ العريش فقرأه فإذا فيه من عمر بن الخطاب إلى العاص بن العاص أما بعد فإنك سرت إلى مصر ومن معك وبها جموع الروم وإنما معك نفر يسير ولعمري لو كان ثكل أمك ما سرت بهم فإن لم تكن بلغت مصر فارجع فقال عمرو الحمد لله أية أرض هذه قالوا من مصر فتقدم كما هو

حدثنا ذلك عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ويقال بل كان عمرو في جنده على قيسارية مع من كان بها من أجناد المسلمين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ ذاك بالجابية فكتب سرا فاستأذن إلى مصر وأمر أصحابه فتنحوا كالقوم الذين يريدون أن يتنحوا من منزل الى منزل قريب ثم سار بهم ليلا فلما فقده أمراء الأجناد استنكروا الذي فعل ورأوا أن قد غرر فرفعوا ذلك الى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر إلى العاص بن العاص أما بعد فإنك قد غررت بمن معك فإن أدركك كتابي ولم تدخل مصر فارجع وإن أدركك وقد دخلت مصر فامض واعلم أني ممدك

فيما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ويحيى بن خالد عن الليث بن سعد قال ويقال أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص بعد ما فتح الشأم أن اندب الناس إلى المسير معك إلى مصر فمن خف معك فسر به وبعث به مع شريك بن عبدة فندبهم عمرو فأسرعوا إلى الخروج مع عمرو ثم إن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل على عمر بن الخطاب فقال عمر كتبت إلى عمرو بن العاص يسير إلى مصر من الشأم فقال عثمان يا أمير المؤمنين إن عمرا لمجرؤ وفيه إقدام وحب للإمارة فأخشى أن يخرج من غير ثقة ولا جماعة فيعرض المسلمين للهلكة رجاء فرصة لا يدرى تكون أم لا فندم عمر بن الخطاب على كتابه إلى عمرو إشفاقا مما قال عثمان فكتب إليه إن أدركك كتابي قبل أن تدخل مصر فارجع إلى موضعك وإن كنت دخلت فامض لوجهك

عمرو بن العاص

وكانت صفة عمرو بن العاص كما حدثنا سعيد بن عفير عن الليث بن سعد قصيرا عظيم الهامة ناتيء الجبهة واسع الفم عظيم اللحية عريض ما بين المنكبين عظيم الكفين والقدمين

قال قال الليث يملأ هذا المسجد قال لما بلغ المقوقس قدوم عمرو بن العاص إلى مصر توجه إلى الفسطاط فكان يجهز على عمرو الجيوش وكان على القصر رجل من الروم يقال له الأعيرج واليا عليه وكان تحت يدي المقوقس وأقبل عمرو حتى إذا كان بجبل الحلال نفرت معه راشدة وقبائل من لخم فتوجه عمرو حتى إذا كان بالعريش أدركه النحر

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال فضحى عمرو عن أصحابه يومئذ بكبش وكان رجل ممن كان خرج مع عمرو بن العاص حين خرج من الشأم إلى مصر كما حدثنا هانىء بن التوكل عن أبي شريح عن عبد الكريم بن الحارث أصيب بجمل له فأتى إلى عمرو يستحمله فقال عمرو تحمل مع أصحابك حتى تبلغ أوائل العامر فلما بلغوا العريش جاءه فأمر له بجملين ثم قال له لن تزالوا بخير ما رحمتكم ائمتكم فإذا لم يرحموكم هلكتم وهلكوا

قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح قال فقدم عمرو بن العاص فكان أول موضع قوتل فيه الفرما قاتلته الروم قتالا شديدا نحوا من شهر ثم فتح الله على يديه وكان عبد الله بن سعد كما حدثنا سعيد بن عفير على ميمنة عمرو بن العاص منذ توجه من قيسارية إلى أن فرغ من حربه وقال غير ابن عفير من مشايخ أهل مصر وكان بالإسكندرية

أسقف للقبط يقال له أبو ميامين فلما بلغه قدوم عمرو بن العاص إلى مصر كتب إلى القبط يعلمهم أنه لا تكون للروم دولة وأن ملكهم قد انقطع ويأمرهم بتلقي عمرو فيقال أن القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو أعوانا

قال عثمان في حديثه ثم توجه عمرو لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى نزل القواصر

حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا عبد الرحمن بن شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد يحدث عن أبي الحسين أنه سمع رجلا من لخم يحدث كريب بن أبرهة قال كنت أرعى غنما لأهلي بالقواصر فنزل عمرو ومن معه فدنوت إلى أقرب منازلهم فإذا بنفر من القبط فكنت قريبا منهم فقال بعضهم لبعض ألا تعجبون من هؤلاء القوم يقدمون على جموع الروم وإنما هم في قلة من الناس فأجابه رجل آخر منهم فقال إن هؤلاء القوم لا يتوجهون إلى أحد إلا ظهروا عليه حتى يقتلوا أخيرهم قال فقمت إليه فأخذت بتلابيبه فقلت أنت تقول هذا انطلق معي إلى عمرو بن العاص حتى يسمع الذي قلت فطلب إلي أصحابه وغيرهم حتى خلصوه فرددت الغنم إلى منزلي ثم جئت حتى دخلت في القوم

قال عثمان في حديثه فتقدم عمرو لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أتى بلبيس فقاتلوه بها نحوا من شهر حتى فتح الله عليه ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أتى أم دنين فقاتلوه بها قتالا شديدا وأبطأ عليه الفتح فكتب إلى عمر يستمده فأمده بأربعة آلاف تمام ثمانية آلاف فقاتلهم

ثم رجع إلى حديث ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح عن شراحيل بن يزيد عن أبي الحسين أنه سمع رجلا من لخم قال فجاء رجل الى عمرو بن العاص فقال اندب معي خيلا حتى آتي من ورائهم عند القتال فأخرج معه خمس مائة فارس فساروا من وراء الجبل حتى دخلوا مغار بني وائل قبل الصبح وكانت الروم قد خندقوا خندقا وجعلوا له أبوابا وبثوا في أفنيتها حسك الحديد فالتقى القوم حين أصبحوا وخرج اللخمي بمن معه من ورائهم فانهزموا حتى دخلوا الحصن

قال غير ابن وهب بعث خمس مائة عليهم خارجة بن حذافة قال فلما كان في وجه الصبح نهض القوم فصلوا الصبح ثم ركبوا خيلهم وغدا عمرو بن العاص على القتال فقاتلهم من وجههم وحملت الخيل التي كان وجه من ورائهم واقتحمت عليهم فانهزموا وكانوا قد خندقوا حول الحصن وجعلوا للخندق أبوابا

قال ابن وهب في حديثه عن عبدالرحمن بن شريح فسار عمرو بمن

معه حتى نزل على الحصن فحاصرهم حتى سألوه أن يسير منهم بضعة عشر أهل بيت ويفتحوا له الحصن ففعل ذلك ففرض عليهم عمرو لكل رجل من أصحابه دينارا وجبة وبرنسا وعمامة وخفين وسألوه أن يأذن لهم أن يهيؤا له ولأصحابه صنيعا ففعل فحدثني أبي عبد الله بن عبد الحكم أن عمرو بن العاص أمر أصحابه فتهيؤا ولبسوا البرود ثم اقبلوا

قال ابن وهب في حديثه فلما فرغوا من طعامهم سألهم عمرو كم أنفقتم قالوا عشرين ألف دينار قال عمرو لا حاجة لنا بصنيعكم بعد اليوم أدوا إلينا عشرين ألف دينار فجاءه النفر من القبط فاستأذنوه إلى قراهم وأهلهم فقال لهم عمرو كيف رأيتم أمرنا قالوا لم نر إلا حسنا فقال الرجل الذي قال في المرة الأولى ما قال لهم إنكم لن تزالوا تظهروا على من لقيتم حتى تقتلوا خيركم رجلا فغضب عمرو وأمر به فطلب إليه أصحابه وأخبروه أنه لا يدري ما يقول حتى خلصوه فلما بلغ عمرا قتل عمر بن الخطاب أرسل في طلب ذلك القبطي فوجده قد هلك فعجب عمرو من قوله

قال غير ابن وهب قال عمرو بن العاص فلما طعن عمر بن لخطاب قلت هو ما قال القبطي فلما حدثت أنه إنما قتله أبو لؤلؤة رجل نصراني قلت لم يعن هذا إنما عني من قتله المسلمون فلما قتل عثمان عرفت أن ما قال الرجل حق

قال أبي في حديثه فلما فرغوا من صنيعهم أمر عمرو بن العاص بطعام فصنع لهم وأمرهم أن يحضروا لذلك فصنع لهم الثريد والعراق وأمر أصحابه بلباس الأكسية واشتمال الصماء والقعود على الركب فلما حضرت الروم وضعوا كراسي الديباج فجلسوا عليها وجلست العرب إلى

جوانبهم فجعل الرجل من العرب يلتقم اللقمة العظيمة من الثريد وينهش من ذلك اللحم فيتطاير على من إلى جنبه من الروم فبشعت الروم بذلك وقالوا أين أولئك الذين كانوا أتونا قبل فقيل لهم أولئك أصحاب المشورة وهؤلاءأصحاب الحرب وقد سمعت في فتح القصر وجها غير هذا

حدثنا عثمان بن صالح قال حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر وعياش بن عباس وغيرهما يزيد بعضهم على بعض أن عمرو بن العاص حصرهم بالقصر الذي يقال له باب اليون حينا وقاتلهم قتالا شديدا يصبحهم ويمسيهم فلما أبطأ عليه الفتح كتب إلى عمر بن الخطاب يستمده ويعلمه بذلك فأمده بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل وكتب إليه عمر بن الخطاب إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل مقام الألف الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد وقال آخرون بل خارجة بن حذافة الرابع لا يعدون مسلمة وقال عمر بن الخطاب إعلم أن معك اثنا عشر ألفا ولا تغلب اثني عشر ألفا من قلة

قال عثمان قال ابن وهب فحدثني الليث بن سعد قال بلغني عن كسرى أنه كان له رجال إذا بعث أحدهم في جيش وضع من عدة الجيش الذي كان معه ألفا مكانه لإجزاء ذلك الرجل في الحرب وإذا احتاج إلى أحدهم وكان في جيش فحبسه لحاجته إليه زادهم ألف رجل قال الليث فأنزلت الذي صنع عمر بن الخطاب في بعثته بالزبير بن العوام والمقداد ومن بعث معهما نحو ما كان يصنع كسرى حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال كان عمر بن الخطاب قد أشفق على عمرو فأرسل الزبير في أثره في اثني عشر ألفا فشهد معه الفتح

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن الخطاب بعث الزبير بن العوام في اثني عشر ألفا

وقال غير عثمان فكانوا قد خندقوا حول حصنهم وجعلوا للخندق أبوابا وجعلوا سكك الحديد موتدة بأفنية الأبواب وكان عمرو قد قدم من الشأم في عدة قليلة فكان يفرق أصحابه ليرى العدو أنهم أكثر مما هم فلما انتهى إلى الخندق نادوه أن قد رأينا ما صنعت وإنما معك من أصحابك كذا وكذا فلم يخطئوا برجل واحد فأقام عمرو على ذلك أياما يغدوا في السحر فيصف أصحابه على أفواه الخندق عليهم السلاح فبينما هو على ذلك إذ جاءه خبر الزبير بن العوام قدم في اثني عشر ألفا فتلقاه عمرو ثم اقبلا يسيران ثم لم يلبث الزبير أن ركب ثم طاف بالخندق ثم فرق الرجال حول الخندق ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح عن ابن لهيعة قال فلما قدم المدد على عمرو بن العاص الح على القصر ووضع عليه المنجنيق وقال عمرو يومئذ من الرجز

يوم لهمدان ويوم للصدف * والمنجنيق في بلي تختلف * وعمرو يرقل ارقال الخزف

وكان عمرو إنما يقف تحت راية بلي فيما يزعمون وقد كان عمرو بن العاص كما اخبرني شيخ من اهل مصر قد دخل الى صاحب الحصن فتناظرا في شيء مما هم فيه فقال له عمرو اخرج استشير اصحابي وقد كان صاحب الحصن اوصى الذي على الباب اذا مر به عمرو ان يلقي عليه صخرة فيقتله فمر عمرو وهو يريد الخروج برجل من العرب فقال له قد دخلت فانظر كيف تخرج فرجع عمرو إلى صاحب الحصن فقال له اني اريد ان آتيك بنفر من اصحابي حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت فقال العلج في نفسه قتل جماعة أحب الي من قتل واحد فأرسل إلى الذي كان امره بما أمره به من قتل عمرو أن لا يتعرض له رجاء أن يأتيه بأصحابه فيقتلهم وخرج عمرو هذا أو معناه

حدثنا عيسى بن حماد قال لما حصر المسلمون الحصن كان عبادة بن الصامت في ناحية يصلي وفرسه عنده فرآه قوم من الروم فخرجوا إليه وعليهم حلية وبزة فلما دنوا منه سلم من صلاته ووثب على فرسه ثم حمل عليهم فلما رأوه غير مكذب عنهم ولوا راجعين واتبعهم فجعلوا يلقون مناطقهم ومتاعهم ليشغلوه بذلك عن طلبهم ولا يلتفت إليه حتى دخلوا الحصن ورمي عبادة من فوق الحصن بالحجارة فرجع ولم يتعرض لشيء مما كانوا طرحوا من متاعهم حتى رجع إلى موضعه الذي كان به فاستقبل الصلاة وخرج الروم إلى متاعهم يجمعونه

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال حدثنا المفضل بن فضالة قال أخبرنا عياش بن عباس القتباني عن شييم بن بيتان عن شيبان بن أمية عن رويفع بن ثابت قال كان أحدنا في زمان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يأخذ نصل أخيه على أن يعطيه النصف مما يغنم وله النصف حتى أن أحدنا ليصير له النصل والريش وللآخر القدح وأن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال من استنجى برجيع دابته أو بعظم فإن محمدا منه بريء قال عياش بن عباس أخبرني شييم بن بيتان عن أبي سالم الجيشاني أنه سمع عبد الله بن عمرو وهو مرابط حصن باب اليون يحدث عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بهذ الحديث

قال عثمان في حديثه فلما أبطأ الفتح على عمرو بن العاص قال الزبير إني أهب نفسي لله أرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين فوضع سلما إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام ثم صعد وأمرهم إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعا قال غير عثمان فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ومعه السيف وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفا من ان ينكسر

ثم رجع إلى الحديث عثمان وغيره قال فلما اقتحم الزبير وتبعه من تبعه وكبر وكبر من معه وأجابهم المسلمون من خارج فلم يشك أهل الحصن أن العرب قد اقتحموا جميعا فهربوا فعمد الزبير وأصحابه إلى باب الحصن ففتحوه واقتحم المسلمون الحصن فلما خاف المقوقس على نفسه ومن معه فحينئذ سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه على أن يفرض للعرب على القبط على كل رجل منهم دينارين فأجابه عمرو إلى ذلك

حدثنا سعيد بن عفير قال وصعد مع الزبير الحصن محمد بن مسلمة ومالك بن أبي سلسلة السلامي ورجال من بني حرام وأن شراحيل بن حجية المرادي نصب سلما آخر من ناحية زقاق الزمامرة اليوم فصعد عليه فكان بين الزبير رحمه الله وبين شراحيل شيء على باب أو مدخل فكأن شراحيل نال من الزبير بعض ما كره فبلغ ذلك عمرا بن العاص فقال له استقد منه إن شئت فقال الزبير أمن نغفة من نغف اليمن استقيد يا بن النابغة

صفة الزبير

وكانت صفة الزبير بن العوام كما حدثنا هشام بن إسحاق فيما يزعمون أبيض حسن القامة ليس بالطويل قليل شعر اللحية أهلب كثير شعر الجسد

وكان مكثهم كما حدثنا عثمان بن صالح عن عبد الله بن وهب عن الليث بن سعد على باب القصر حتى فتحوه سبعة أشهر وقد سمعت في فتح القصر وجها آخر مخالفا للحديثين جميعا والله أعلم

حدثنا عثمان بن صالح قال أخبرنا خالد بن نجيح عن يحيى بن أيوب وخالد بن حميد قالا حدثنا خالد بن يزيد عن جماعة من التابعين يزيد بعضهم على بعض أن المسلمين لما حاصروا باب اليون وكان به جماعة

من الروم وأكابر القبط ورؤسائهم وعليهم المقوقس فقاتلوهم بها شهرا فلما رأى القوم الجد منهم على فتحه والحرص ورأوا من صبرهم على القتال ورغبتهم فيه خافوا أن يظهروا عليهم فتنحى المقوقس وجماعة من أكابر القبط وخرجوا من باب القصر القبلي ودونهم جماعة يقاتلون العرب فلحقوا بالجزيرة موضع الصناعة اليوم وأمروا بقطع الجسر وذلك في جرى النيل وزعم بعض مشايخ أهل مصر أن الأعيرج كان تخلف في الحصن بعد المقوقس فلما خاف فتح الحصن ركب هو وأهل القوة والشرف وكانت سفنهم ملصقة بالحصن ثم لحقوا بالمقوقس بالجزيرة

ثم رجع إلى حديث يحيى بن أيوب وخالد بن حميد قالا فأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص إنكم قوم قد ولجتم في بلادنا والححتم على قتالنا وطال مقامكم في أرضنا وإنما أنتم عصبة يسيرة وقد أظلتكم الروم وجهزوا إليكم ومعهم من العدة والسلاح وقد أحاط بكم هذا النيل وإنما أنتم أسارى في أيدينا فابعثوا إلينا رجالا منكم نسمع من كلامهم فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن يغشاكم جموع الروم فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه ولعلكم أن

تندموا إن كان الأمر مخالفا لطلبتكم ورجائكم فابعثوا إلينا رجالا من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به من شى ء فلما أتت عمرو بن العاص رسل المقوقس حبسهم عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم المقوقس فقال لأصحابه أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم ويستحلون ذلك في دينهم وإنما أراد عمرو بذلك أن يروا حال المسلمين فرد عليهم عمرو مع رسله إنه ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال إما أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال ) حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ( فلما جاءت رسل المقوقس إليه قال كيف رأيتموهم قالوا رأينا قوما الموت أحب إلى أحدهم من الحياة والتواضع أحب إليهم من الرفعة ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم وأميرهم كواحد منهم ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ولا السيد فيهم من العبد وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها أحد منهم يغسلون أطرافهم بالماء ويتخشعون في صلاتهم فقال عند ذلك المقوقس والذي يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها ولا يقوى على قتال هؤلاء أحد ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل لم يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض وقووا على الخروج من موضعهم فرد إليهم المقوقس رسله وقال ابعثوا إلينا رسلا منكم نعاملهم ونتداعى نحن وهم إلى ما عسى أن يكون فيه صلاح لنا ولكم فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت حدثنا سعيد بن عفير قال أدرك الإسلام من العرب عشرة نفر طول كل رجل منهم عشرة أشبار عبادة بن الصامت احدهم

ثم رجع إلى حديث عثمان قال وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم وأن لا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الثلاث خصال فإن أمير المؤمنين قد تقدم إلي في ذلك وأمرني أن لا أقبل شيئا سوى خصلة من هذه الثلاث خصال وكان عبادة بن الصامت أسود فلما ركبوا السفن إلى المقوقس ودخلوا عليه تقدم عبادة بن الصامت فهابه المقوقس لسواده فقال نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني فقالوا جميعا إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلما وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورايه وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به وأمرنا أن لا نخالف رأيه وقوله قال وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم قالوا كلا إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعا وأفضلنا سابقة وعقلا ورأيا وليس ينكر السواد فينا فقال المقوقس لعبادة تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك وإن اشتد كلامك علي ازددت لذلك هيبة فتقدم إليه عبادة فقال قد سمعت مقالتك وإن فيمن قد خلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادا مني وأفظع منظرا ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي وأنا قد وليت وادبر شبابي وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعا وكذلك أصحابي وذلك أنا إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا ولا طلب للإستكثار منها إلا أن الله عز وجل قد أحل ذلك لنا وجعل ما غنمنا من ذلك حلالا وما يبالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهما لإن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها يسد بها جوعته لليله ونهاره وشمله يلتحفها فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله واقتصر على هذا الذي بيده ويبلغه ما كان في الدنيا لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاءها ليس برخاء إنما النعيم والرخاء في الآخرة وبذلك امرنا ربنا وامرنا به نبينا {صلى الله عليه وسلم} وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا فيما يمسك جوعته ويستر عورته وتكون همته وشغله في رضاء ربه وجهاد عدوه

فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله هل سمعتم مثل كلام هذاالرجل قط لقد هبت منظره وإن قوله لاهيب عندي من منظره إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فقال له أيها الرجل الصالح قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده قوم معروفون بالنجدة والشدة ممن لا يبالي أحدهم من لقي ولا من قاتل وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم وقد أقمتم بين أظهرنا شهرا وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم ونحن نرق عليكم لضعفكم وقتلكم وقلة ما بأيديكم ونحن تطيب انفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوة لكم به

فقال عبادة بن الصامت: يا هذا لاتغرن نفسك ولا أصحابك أما ما تخوفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم وأنا لا نقوى عليهم فلعمري ما هذا بالذي تخوفنا به ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه إن كان ما قلتم حقا فذلك والله أرغب ما نكون في قتالهم وأشد لحرصنا عليهم لأن ذلك أعذر لنا عند ربنا إذا قدمنا عليه أن قتلنا عن آخرنا كان أمكن لنا في رضوانه وجنته وما من شيء أقر لأعيننا ولا أحب إلينا من ذلك وإنا منكم حينئذ لعلى إحدى الحسنيين أما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم أوغنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا وإنها لأحب الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منا وإن الله عز وجل قال لنا في كتابه: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحا ومساء أن يرزقه الشهادة وأن لا يرده إلى بلده ولا إلى أرضه ولا إلى أهله وولده وليس لأحد منا هم فيما خلفه وقد استودع كل واحد منا ربه أهله وولده وإنما همنا ما أمامنا وأما قولك أنا في ضيق وشده من معاشنا وحالنا فنحن في أوسع السعة لو كانت الدنيا كلها لنا ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن عليه فانظر الذي تريد فبينه لنا فليس بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث خصال فاختر أيتها شئت ولا تطمع نفسك في الباطل بذلك أمرني الأمير وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من قبل إلينا أما أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته أمرنا الله تعالى أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة ورجعنا عن قتالكم ولا نستحل أذاكم ولا التعرض لكم وإن أبيتم إلا الجزية فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون نعاملكم علي شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت من آخرنا أو نصيب ما نريد منكم هذا ديننا الذي ندين الله تعالى به ولايجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره فانظروا لانفسكم فقال له المقوقس هذا ما لا يكون أبدا ما تريدون إلا أن تتخذونا نكون لكم عبيدا ما كانت الدنيا فقال له عبادة بن الصامت هو ذاك فاختر ما شئت فقال له المقوقس أفلا تجيبونا إلى خصلة غير هذه الثلاث خصال فرفع عبادة يديه وقال لا ورب هذه السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء ما لكم عندنا خصلة غيرها فاختاروا لأنفسكم فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه فقال قد فرغ القول فما ترون فقالوا أو يرضى أحد بهذا الذل أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم فهذا ما لا يكون أبدا ولا نترك دين المسيح بن مريم وندخل في دين غيره لا نعرفه وأما ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدا أبدا فالموت أيسر من ذلك لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارا كان أهون علينا فقال المقوقس لعبادة قد أبى القوم كما ترى فراجع صاحبك على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما نمنيتم وتنصرفون فقام عبادة وأصحابه فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث فوالله ما لكم بهم طاقة ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم منها كارهين فقالوا وأي خصلة نجيبهم إليها قال إذا أخبركم أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تصبروا صبرهم ولا بد من الثالثه قالوا فنكون لهم عبيدا أبدا قال نعم تكونون عبيدا مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا من آخركم وتكونوا عبيد تباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدا أنتم وأهلكم وذراريكم قالوا فالموت أهون علينا وأمروا بقطع الجسر من الفسطاط والجزيرة وبالقصر من جمع القبط والروم جمع كثير فألح المسلمون عند ذلك بالقتال على من في القصر حتى ظفروا بهم وأمكن الله منهم فقتل منهم خلق كثير وأسر من أسر وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة وصار المسلمون قد أحدق بهم الماء من كل جهة لا يقدرون على أن يتقدموا نحو الصعيد ولا إلى غير ذلك من المدائن والقرى والمقوقس يقول لأصحابه ألم أعلمكم هذا وأخافه عليكم ما تنتظرون فوالله لتجيبنهم إلى ما أرادوا طوعا أو لتجيبنهم إلى ما هو أعظم منه كرها فأطيعوني من قبل أن تندموا فلما رأوا منهم ما رأوا وقال لهم المقوقس ما قال اذعنوا بالجزية رضوا بذلك على صلح يكون بينهم يعرفونه وأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص إني لم أزل حريصا على إجابتك إلى خصلة من تلك الخصال التي أرسلت إلي بها فأبى ذلك علي من حضرني من الروم والقبط فلم يكن لي أن أفتات عليهم في أموالهم وقد عرفوا نصحي لهم وحبي صلاحهم ورجعوا إلى قولي فأعطني أمانا نجتمع أنا في نفر من أصحابي وأنت في نفر من أصحابك فإن استقام الأمر بيننا تم لنا ذلك جميعا وإن لم يتم رجعنا إلى ما كنا عليه فاستشار عمرو أصحابه في ذلك فقالوا لا نجيبهم إلى شيء من الصلح ولا الجزية حتى يفتح الله علينا وتصير الأرض كلها لنا فيئا وغنيمة كما صار لنا القصر وما فيه فقال عمرو قد علمتم ما عهد إلي أمير المؤمنين في عهده فإن أجابوا إلى خصلة من الخصال الثلاث التي عهد إلي فيها أجبتهم إليها وقبلت منهم مع ما قد حال هذا الماء بيننا وبين ما نريد من قتالهم فاجتمعوا على عهد بينهم واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط دينارين دينارين عن كل نفس شريفهم ووضيعهم ومن بلغ الحلم منهم ليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا على النساء شيء وعلى أن للمسلمين عليهم النزل لجماعتهم حيث نزلوا ومن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مفترض عليهم وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يتعرض لهم في شيء منها فشرط هذا كله على القبط خاصة وأحصوا عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية وفرض عليهم الدينارين رفع ذلك عرفاؤهم بالايمان المؤكدة فكان جميع من أحصي يومئذ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا ورفعوا أكثر من ستة آلاف ألف نفس وكانت فريضتهم يومئذ اثني عشر ألف ألف دينار في كل سنة

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن لهيعة عن يحيى بن ميمون الحضرمي قال لما فتح عمرو بن العاص مصر صالح عن جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك ليس فيهم امرأة ولا شيخ ولا صبي فأحصوا بذلك على دينارين دينارين فبلغت عدتهم ثمانية الاف الف

حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس صالح عمرا بن العاص على أن يفرض على القبط دينارين دينارين على كل رجل منهم

ثم رجع الى حديث يحيى بن ايوب وخالد بن حميد قالا وشرط المقوقس للروم أن يخيروا فمن أحب منهم أن يقيم على مثل هذا أقام على ذلك لازما له مفترضا عليه ممن أقام بالإسكندرية وما حولها من أرض مصر كلها ومن أراد الخروج منها إلى أرض الروم خرج وعلى أن للمقوقس الخيار في الروم خاصة حتى يكتب إلى ملك الروم يعلمه ما فعل فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم وإلا كانوا جميعا على ما كانوا عليه وكتبوا به كتابا وكتب المقوقس إلى ملك الروم كتابا يعلمه على وجه الأمر كله فكتب إليه ملك الروم يقبح رأيه ويعجزه ويرد عليه ما فعل ويقول في كتابه: إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفا وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى فإن كان القبط كرهوا القتال واحبوا أداء الجزية إلى العرب واختاروهم علينا فإن عندك من بمصر من الروم وبالإسكندرية ومن معك أكثر من مائة ألف معهم السلاح والعدة والقوة والعرب وحالهم وضعفهم على ما قد رأيت فعجزت عن قتالهم ورضيت أن تكون أنت ومن معك من الروم في حال القبط أذلاء إلا تقاتلهم أنت ومن معك من الروم حتى تموت أو تظهر عليهم فإنهم فيكم على قدر كثرتكم وقوتكم وعلى قدر قلتهم وضعفهم كأكلة فناهضهم القتال ولا يكون لك رأي غير ذلك وكتب ملك الروم بمثل ذلك كتابا إلى جماعة الروم فقال المقوقس لما أتاه كتاب ملك الروم: والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا وإن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة رجل منا وذلك أنهم قوم الموت أحب إلى أحدهم من الحياة يقاتل الرجل منهم وهو مستقتل يتمنى أن لا يرجع إلى أهله ولا بلده ولا ولده ويرون أن لهم أجرا عظيما فيمن قتلوه قتلوا منا ويقولون انهم إن قتلوا دخلوا الجنة وليس لهم رغبة في الدنيا ولا لذة إلا على قدر بلغة العيش من الطعام واللباس ونحن قوم نكره الموت ونحب الحياة ولذتها فكيف نستقيم نحن وهؤلاء وكيف صبرنا معهم واعلموا معشر الروم والله إني لا أخرج مما دخلت فيه ولا مما صالحت العرب عليه وإني لأعلم أنكم سترجعون غدا إلى رأيي وقولي وتتمنون ان لو كنتم أطعتموني وذلك أني قد عاينت ورأيت وعرفت ما لم يعاين الملك ولم يره ولم يعرفه ويحكم أما يرضى أحدكم أن يكون آمنا في دهره على نفسه وماله وولده بدينارين في السنة ثم أقبل المقوقس إلى عمرو بن العاص فقال له إن الملك قد كره ما فعلت وعجزني وكتب إلي وإلى جماعة الروم أن لا نرضى بمصالحتكم وأمرهم بقتالكم حتى يظفروا بك او تظفر بهم ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه وإنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني وقد تم صلح القبط فيما بينك وبينهم ولم يأت من قبلهم نقض وأنا متم لك على نفسي والقبط متمون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاقدتهم وأما الروم فإني منهم بريء وأنا أطلب إليك أن تعطيني ثلاث خصال فقال له عمرو ما هن قال لا تنقض بالقبط وادخلني معهم والزمني ماألزمتهم وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك عليه فهم متمون لك على ما تحب وأما الثانية فإن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئا وعبيدا فإنهم أهل ذلك فإني نصحتهم فاستغشوني ونظرت لهم فاتهموني وأما الثالثة أطلب إليك إن أنا مت ان تأمرهم أن يدفنوني في كنيسة أبي يحنس بالإسكندرية فأنعم له عمرو بن العاص بذلك وأجابه إلى ما طلب على أن يضمنوا له الجسرين جميعا ويقيموا له الإنزال والضيافة والأسواق والجسور ما بين الفسطاط إلى الإسكندرية ففعلوا

قال غيرعثمان وصارت لهم القبط أعوانا كما جاء في الحديث ويقال أن المقوقس إنما صالح عمرو بن العاص على الروم وهو يحاصر الإسكندرية

حدثنا يحيى بن خالد العدوي عن الليث بن سعد أن عمرو بن العاص لما بلغ الاسكندرية حاصر أهلها ثلاثة أشهر وألح عليهم وخافوه وسأله المقوقس الصلح عنهم كما صالحه على القبط على أن يستنظر رأي الملك

حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن ابي حبيب أن المقوقس الرومي الذي كان ملك أهل مصر صالح عمرو بن العاص على أن يسير من أراد من الروم المسير ويقر من أراد الإقامة من الروم على أمر قد سماه فبلغ ذلك هرقل ملك الروم فتسخط أشد التسخط وانكره أشد الإنكار وبعث الجيوش فأغلقوا الأبواب الإسكندرية وآذنوا عمرو بن العاص بالحرب فخرج إليه المقوقس فقال أسألك ثلاثا قال ما هن قال لا تبذل للروم ما بذلت لي فإني قد نصحت لهم واستغشوا نصيحتي ولا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم وأن تأمر بي إذا مت فأدفن في كنيسة أبي يحنس فقال عمرو هذه أهونهن علينا

ثم رجع إلى حديث عثمان قال فخرج عمرو بن العاص بالمسلمين حين أمكنهم الخروج وخرج معه جماعة من رؤساء القبط وقد أصلحوا لهم الطرق وأقاموا لهم الجسور والأسواق وصارت لهم القبط أعوانا على ما أرادوا من قتال الروم وسمعت بذلك الروم فاستعدت واستجاشت وقدمت عليهم مراكب كثيرة من أرض الروم فيها جمع عظيم من الروم بالعدة والسلاح فخرج إليهم عمرو بن العاص من الفسطاط متوجها إلى الإسكندرية فلم يلق منهم أحدا حتى بلغ ترنوط فلقي بها طائفة من الروم فقاتلوه قتالا خفيفا فهزمهم الله تعالى ومضى عمرو بمن معه حتى لقي جمع الروم بكوم شريك فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله على المسلمين وولى الروم أكتافهم

ويقال بل أرسل عمرو بن العاص شريك بن سمي في اثارهم كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب فأدركهم عند الكوم الذي يقال له كوم شريك فقاتلهم شريك فهزمهم قال غير عبد الملك بن مسلمة فلقيهم شريك بكوم شريك وكان على مقدمة عمرو بن العاص وعمرو بترنوط فألجأوه إلى الكوم فاعتصم به وأحاطت الروم به فلما رأى ذلك شريك بن سمي أمر أبا ناعمة مالك بن ناعمة الصدفي وهو صاحب الفرس الأشقر الذي يقال له اشقر صدف وكان لا يجارى سرعة فانحط عليهم من الكوم وطلبته الروم فلم تدركه حتى أتى عمرا فأخبره فأقبل عمرو متوجها نحوه وسمعت به الروم فانصرفت وبالفرس الأشقر سميت خوخة الأشقر التي بمصر وذلك أن الفرس نفق فدفنه صاحبه هنالك فسمي المكان به ثم رجع إلى حديث يحيى بن ايوب وخالد بن حميد قالا ثم التقوا بسلطيس فاقتتلوا بها قتالا شديدا ثم هزمهم الله ثم التقوا بالكريون فاقتتلوا بها بضعة عشر يوما وكان عبد الله بن عمرو على المقدمة وحامل اللواء يومئذ وردان مولى عمرو

حدثنا طلق بن الشيخ ويحيى بن عبد الله بن بكير قالا حدثنا ضمام بن إسماعيل المعافري قال حدثنا أبو قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لقي العدو بالكريون فكان على المقدمة وحامل اللواء وردان مولى عمرو فأصابت عبد الله بن عمرو جراحات كثيرة فقال يا وردان لو تقهقرت قليلا نصيب الروح فقال وردان الروح تريد الروح أمامك وليس خلفك فتقدم عبد الله فجاءه رسول أبيه يسأله عن جراحه فقال عبد الله أقول إذا جاشت النفس وحالت إصبري عن قليل تحمدي او تلامي فرجع الرسول إلى عمرو فأخبره بما قال فقال عمرو هو ابني حقا

حدثنا عثمان بن صالح قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص صلى يومئذ صلاة الخوف

حدثنا أبي عبدالله بن عبد الحكم والنضر بن عبد الجبار قالا حدثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة أن شيخا حدثهم أنه صلى صلاة الخوف بالإسكندرية مع عمرو بن العاص بكل طائفة ركعة وسجدتين.

ثم رجع إلى حديث يحيى بن أيوب وخالد بن حميد قالا ثم فتح الله المسلمين وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة وأتبعوهم حتى بلغوا الإسكندرية فتحصن بها الروم وكانت عليهم حصون متينة لا ترام حصن دون حصن فنزل المسلمون ما بين حلوة الى قصر فارس إلى ما وراء ذلك ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا اليه من الأطعمة والعلوفة

حدثنا هانئ بن المتوكل قال حدثنا ابن لهيعة عن بكر بن عمرو الخولاني أن عبد العزيز بن مروان حين قدم الإسكندرية سأل عن فتحها فقيل له لم يبق ممن أدرك فتحها إلا شيخ كبير من الروم فأمرهم فأتوه به فسأله عما حضره من فتح الإسكندرية فقال كنت غلاما شابا وكان لي صاحب ابن لبطريق من بطارقة الروم فأتاني فقال لي ألا ت ذهب بنا حتى ننظر إلى هؤلاء العرب الذين يقاتلوننا فلبس ثياب ديباج وعصابة ذهب وسيفا محلا وركب برذونا سمينا كثير اللحم وركبت أنا برذونا خفيفا فخرجنا من الحصون كلها حتى برزنا على مشرف فرأينا قوما في خيام لهم عند كل خيمة فرس مربوط ورمح مركوز ورأينا قوما ضعفاء فعجبنا من ضعفهم فقلنا كيف بلغ هؤلاء القوم ما بلغوا فبينما نحن وقوف ننظر إليهم ونعجب إذ خرج رجل منهم من بعض تلك الخيام فنظر إلينا فلما رآنا حل فرسه فمعكه ثم مسحه ووثب على ظهره وهو عري وأخذ الرمح بيده واقبل نحونا فقلت لصاحبي هذا والله يريدنا فلما رايناه مقبلا الينا لا يريد غيرنا أدبرنا مولين نحو الحصن وأخذ في طلبنا فلحق صاحبي لأن برذونه كان ثقيلا كثير اللحم فطعنه برمحه فصرعه ثم خضخض الرمح في في جوفه حتى قتله ثم أقبل في طلبي وبادرت وكان برذوني خفيف اللحم فنجوت منه حتى دخلت الحصن فلما دخلت الحصن امنت فصعدت على سور الحصن انظر اليه فإذا هو لما أيس مني رجع فلم يبال بصاحبي الذي قتله ولم يرغب في سلبه ولم ينزعه عنه وقد كان سلبه ثياب الديباج وعصابة من ذهب ولم يطلب دابته ولم يلتفت إلى شيء من ذلك وانصرف من طريق أخرى وأنا أنظر إليه وأسمعه يتكلم بكلام يرفع به صوته فظننت أنه إنما يقرأ بقرآن العرب فعرفت عند ذلك أنهم إنما قووا على ما قووا عليه وظهروا على البلاد لأنهم لا يطلبون الدنيا ولا يرغبون في شيء منها حتى بلغ خيمته فنزل عن فرسه فربطه وركز رمحه ودخل خيمته ولم يعلم بذلك أحدا من أصحابه فقال عبد العزيز صف لي ذلك الرجل وهيئته وحالته فقال نعم هو قليل دميم ليس بالتام من الرجال في قامته ولا في لحمه رقيق أدم كوسج فقال عبد العزيز عند ذلك إنه ليصف صفة رجل يمني

حدثنا هانئ بن المتوكل قال حدثنا محمد بن يحيى الإسكندراني قال نزل عمرو بن العاص بحلوة فأقام بها شهرين ثم تحول إلى المقس فخرجت عليه الخيل من ناحية البحيرة مستترة بالحصن فواقعوه فقتل من المسلمين يومئذ بكنيسة الذهب اثنا عشر رجلا ثم رجع إلى حديث يحيى بن أيوب وخالد بن حميد قالا ورسل ملك الروم تختلف إلى الإسكندرية في المراكب بمادة الروم وكان ملك الروم يقول لئن ظهرت العرب على الإسكندرية إن ذلك انقطاع ملك الروم وهلاكهم لأنه ليس للروم كنائس أعظم من كنائس الإسكندرية وإنما كان عيد عند الروم حين غلبت العرب على الشأم بالإسكندرية فقال الملك لئن غلبوا على الإسكندرية لقد هلكت الروم وانقطع ملكها فأمر بجهازه ومصلحته لخروجه إلى الإسكندرية حتى يباشر قتالها بنفسه إعظاما لها وأمر أن لا يتخلف عنه أحد من الروم وقال ما بقي للروم بعد الإسكندرية حرمة فلما فرغ من جهازه صرعه الله فأماته وكفى الله المسلمين مؤنته وكان موته في سنة تسع عشرة فكسر الله بموته شوكة الروم فرجع جمع كثير ممن كان قد توجه إلى الإسكندرية

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد قال مات هرقل في سنة عشرين وفيها فتحت قيسارية الشام

ثم رجع إلى حديث يحيى بن ايوب وخالد بن حميد قالا واستأسدت العرب عند ذلك وألحت بالقتال على أهل الإسكندرية فقاتلوهم قتالا شديدا

حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب قال خرج طرف من الروم من باب حصن الاسكندرية فحملوا على الناس فقتلوا رجلا من مهرة فاحتزوا رأسه وانطلقوا به فجعل المهريون يتغضبون ويقولون لا ندفنه ابدا إلا برأسه فقال عمرو بن العاص تتغضبون كأنكم تتغضبون على من يبالي بغضبكم احملوا على القوم إذا خرجوا فاقتلوا منهم رجلا ثم ارموا برأسه يرمونكم برأس صاحبكم فخرجت الروم إليهم فاقتتلوا فقتل من الروم رجل من بطارقتهم فاحتزوا رأسه ورموا به إلى الروم فرمت الروم برأس المهري صاحبهم إليهم فقال دونكم الآن فادفنوا صاحبكم وكان عمرو بن العاص كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد يقول ثلاث قبائل من مصر أما مهرة فقوم يقتلون ولا يقتلون وأما غافق فقوم يقتلون ولا يقتلون وأما بلي فأكثرها رجلا صحب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وافضلها فارسا

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ضمام بن اسماعيل قال حدثنا عياش بن عباس قال لما حاصر المسلمون الاسكندرية قال لهم صاحب المقدمة لاتعجلوا حتى آمركم برأي فلما فتح الباب دخل رجلان فقتلا فبكى صاحب المقدمة فقيل له لا تبك وهما شهيدان قال ليت انهما شهيدان ولكن سمعت رسول {صلى الله عليه وسلم} يقول لا يدخل الجنة عاص وقد أمرت أن لا يدخلوا حتى يأتيهم رأيي فدخلوا بغير إذني

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا الليث بن سعد عن موسى بن علي ان رجلا قال لعمرو بن العاص لو جعلت المنجنيق ورميتهم به لهدم منه حائطهم فقال عمرو تستطيع ان تفني مقامك من الصف قال الليث وقيل لعمرو ان العدو قد غشوك ونحن نخاف على رايطة يريدون امرأته فقال اذا يجدون رياطا كثيرة

ثم رجع الى حديث عثمان بن صالح قال فحدثني خالد بن ابي نجيح قال اخبرني الثقة ان عمرو بن العاص قاتل الروم بالإسكندرية يوما من الأيام قتالا شديدا فلما استحر القتال بينهم بارز رجل من الروم مسلمة بن مخلد فصرعه وألقاه عن فرسه وأهوى اليه ليقتله حتى حماه رجل من أصحابه وكان مسلمة لا يقاوم لسبيله ولكنها مقادير ففرحت بذلك الروم وشق ذلك على المسلمين وغضب عمرو بن العاص لذلك وكان مسلمة كثير اللحم ثقيل البدن فقال عمرو بن العاص عند ذلك ما بال الرجل المسته الذي يشبه النساء يتعرض مداخل الرجال ويتشبه بهم فغضب مسلمة من ذلك ولم يراجعه ثم اشتد القتال حتى اقتحموا حصن الإسكندرية فقاتلتهم العرب في الحصن ثم جاشت عليهم الروم حتى اخرجوهم جميعا من الحصن إلا اربعة نفر بقوا في الحصن واغلقوا عليهم باب الحصن احدهم عمرو بن العاص والآخر مسلمة بن مخلد ولم نحفظ الآخرين وحالوا بينهم وبين أصحابهم ولا يدري الروم من هم فما رأى ذلك عمرو بن العاص وأصحابه التجأوا الى ديماس من حماماتهم فدخلوا فيه فاحترزوا به فأمروا روميا ان يكلمهم بالعربية فقال لهم إنكم قد صرتم بأيدينا أسارى فاستأسروا ولا تقتلوا أنفسكم فامتنعوا عليهم ثم قال لهم إن في أيدي أصحابكم منا رجالا أسروهم ونحن نعطيكم العهود نفادي بكم أصحابنا ولا نقتلكم فأبوا عليهم فلما رأى الرومي ذلك منهم قال لهم هل لكم إلى خصلة وهي نصف فيما بيننا وبينكم أن تعطونا العهد ونعطيكم مثله على أن يبرز منكم رجل ومنا رجل فإن غلب صاحبنا صاحبكم استأسرتم لنا وأمكنتموا من أنفسكم وإن غلب صاحبكم صاحبنا خلينا سبيلكم الى أصحابكم فرضوا بذلك وتعاهدوا عليه وعمرو ومسلمة وصاحباهما في الحصن في الديماس فتداعوا الى البراز فبرز رجل من الروم قد وثقت الروم بنجدته وشدته وقالوا يبرز رجل منكم لصاحبنا فأراد عمرو أن يبرز فمنعه مسلمة وقال ما هذا تخطئ مرتين تشذ من أصحابك وأنت أمير وإنما قوامهم بك وقلوبهم معلقة نحوك لا يدرون ما أمرك ثم لا ترضى حتى تبارز وتتعرض للقتل فإن قتلت كان ذلك بلاء على أصحابك مكانك وأنا أكفيك إن شاء الله تعالى فقال عمرو دونك فربما فرجها الله بك فبرز مسلمة والرومي فتجاولا ساعة ثم أعانه الله عليه فقتله فكبر مسلمة وأصحابه ووفى لهم الروم بما عاهدوهم عليه ففتحوا لهم باب الحصن فخرجوا ولا يدري الروم أن أمير القوم فيهم حتى بلغهم بعد ذلك فأسفوا على ذلك وأكلوا أيديهم تغيضا على ما فاتهم فلما خرجوا استحيى عمرو مما كان قال لمسلمة حين غضب فقال عمرو عند ذلك استغفر لي ما كنت قلت لك فاستغفر له وقال عمرو والله ما أفحشت قط إلا ثلاث مرار مرتين في الجاهلية وهذه الثالثة وما منهن مرة إلا وقد ندمت وما استحييت من واحدة منهن أشد مما استحييت مما قلت لك والله إني لأرجو أن لا أعود إلى الرابعة ما بقيت

ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال أقام عمرو بن العاص محاصر الإسكندرية أشهرا فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب قال ما أبطؤا بفتحها إلا لما أحدثوا

حدثنا يحيى بن خالد عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال لما أبطأ على عمر بن الخطاب فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص: اما بعد فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر إنكم تقاتلونهم منذ سنتين وما ذلك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر وأعلمتك أن الرجل منهم مقاوم ألف رجل على ما كنت أعرف إلا أن يكونوا غيرهم ما غير غيرهم فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم ورغبهم في الصبر والنية وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس ومر الناس جميعا ان يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الحمعة فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة ووقت الإجابة وليعج الناس إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم فلما أتى عمرو الكتاب جمع الناس وقرأعليهم كتاب عمر ثم دعا أولئك النفر فقدمهم أمام الناس وأمر الناس ان يتطهروا ويصلوا ركعتين ثم يرغبوا إلى الله عز وجل ويسألوه النصر على عدوهم ففعلوا ففتح الله عليهم

ويقال ان عمرو بن العاص استشار مسلمة بن مخلد كما حدثنا عثمان بن صالح عن من حدثه فقال أشر علي في قتال هؤلاء فقال له مسلمة أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة وتجارب من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فتعقد له على الناس فيكون هو الذي يباشر القتال ويكفيكه قال عمرو ومن ذلك قال عبادة بن الصامت فدعا عمروعبادة فأتاه وهو راكب على فرسه فلما دنا منه أراد النزول فقال له عمرو عزمت عليك إن نزلت ناولني سنان رمحك فناوله إياه فنزع عمرو عمامته عن رأسه وعقد له وولاه قتال الروم فتقدم عبادة مكانه فصادف الروم وقاتلهم ففتح الله على يديه الإسكندرية من يومهم ذلك

حدثنا ابي عبد الله بن عبد الحكم قال لما أبطأ على عمرو بن العاص فتح الإسكندرية استلقى على ظهره ثم جلس ثم قال إني فكرت في هذا الأمر فإذا هو لا يصلح آخره إلا من أصلح أوله يريد الأنصار فدعا عبادة بن الصامت فعقد له ففتح الله على يديه الإسكندرية من يومه ذلك

ثم رجع الى حديث يحيى بن أيوب وخالد بن حميد قال حاصروا الإسكندرية تسعة أشهر بعد موت هرقل وخمسة قبل ذلك وفتحت يوم الجمعة لمستهل المحرم سنة عشرين حدثناأبو الأسود النضربن عبد الجبار قال حدثنا ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله عن بشر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال دعاني عبادة بن الصامت يوم الإسكندرية وكان على قتالها فأغار العدو على طائفة من الناس ولم يأذن لهم بقتالهم فسمعني فبعثني أحجز بينهم فحجزت بينهم ثم رجعت اليه فقال أقتل أحد من الناس هناك قلت لا قال الحمد لله الذي لم يقتل بإذنه أحد منهم عاصيا حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن مالك بن انس ان مصر فتحت سنة عشرين قال فلما هزم الله تبارك وتعالى الروم وفتح الإسكندرية كما حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث وهرب الروم في البر والبحر خلف عمرو بن العاص بالإسكندرية ألف رجل من أصحابه ومضى عمرو ومن معه في طلب من هرب من الروم في البر فرجع من كان هرب من الروم في البحر الى الإسكندرية فقتلوا من كان فيها من المسلمين إلا من هرب منهم وبلغ ذلك عمرو بن العاص فكر راجعا ففتحها وأقام بها وكتب إلى عمربن الخطاب ان الله قد فتح علينا الإسكندرية عنوة بغير عقد ولا عهد فكتب اليه عمربن الخطاب يقبح رأيه ويأمره أن لا يجاوزها

قال ابن لهيعة وهوفتح الإسكندرية الثاني

وكان سبب فتحها هذا كما حدثنا إبراهيم بن سعيد البلوي ان رجلا يقال له ابن بسامة كان بوابا فسأل عمرو بن العاص أن يؤمنه على نفسه وأرضه وأهل بيته ويفتح له الباب فأجابه عمرو إلى ذلك ففتح له ابن بسامة الباب فدخل عمرو وكان مدخله هذا من ناحية القنطرة التي يقال لها قنطرة سليمان وكان مدخل عمرو بن العاص الأول من باب المدينة الذي من ناحية كنيسة الذهب وقد بقي لابن بسامة عقب بالإسكندرية إلى اليوم حدثنا هاني بن المتوكل قال حدثنا ضمام بن إسماعيل المعافري قال قتل من المسلمين من حين كان من أمر الإسكندرية ما كان إلى أن فتحت عنوة اثنان وعشرون رجلا

وبعث عمرو بن العاص كما حدثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة معاوية بن حديج وافدا الى عمر بن الخطاب بشيرا له بالفتح فقال له معاوية ألا تكتب معي كتابا فقال له عمرو وما أصنع بالكتاب ألست رجلا عربيا تبلغ الرسالة وما رأيت وما حضرت فلما قدم على عمر أخبره بفتح الأسكندرية فخر عمر ساجدا وقال الحمد لله

حدثنا عبدالله بن يزيد المقري قال حدثنا موسى بن علي عن أبيه أنه سمعه يقول سمعت معاوية بن حديج يقول بعثني عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب بفتح الإسكندرية فقدمت المدينة في الظهيرة فأنخت راحلتي بباب المسجد ثم دخلت المسجد فبينما انا قاعد فيه إذ خرجت جارية من منزل عمر بن الخطاب فرأتني شاحبا علي ثياب السفر فأتتني فقالت من أنت فقلت أنا معاوية بن حديج رسول عمرو بن العاص فانصرفت عني ثم أقبلت تشتد أسمع حفيف إزارها على ساقها أو على ساقيها حتى دنت مني فقالت قم فأجب أمير المؤمنين يدعوك فتبعتها فلما دخلت فإذا بعمر بن الخطاب يتناول رداءه بإحدى يديه ويشد إزاره بالأخرى فقال ما عندك فقلت خير يا أمير المؤمنين فتح الله الإسكندرية فنخرج معي الى المسجد فقال للمؤذن أذن في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس ثم قال لي قم فأخبر أصحابك فقمت فأخبرتهم ثم صلى ودخل منزله واستقبل القبلة فدعا بدعوات ثم جلس فقال يا جارية هل من طعام فأتت بخبز وزيت فقال كل فأكلت على حياء ثم قال كل فإن المسافر يحب الطعام فلو كنت آكلا لأكلت معك فأصبت على حياء ثم قال يا جارية هل من تمر فأتت بتمر في طبق فقال كل فأكلت على حياء ثم قال ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد فقلت إن أمير المؤمنين قائل قال بئس ما قلت أو بئس ما ظننت لئن نمت النهار لأضيعن الرعية ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية

ثم كتب عمرو بن العاص بعد ذلك كما حدثنا ابراهيم بن سعيد البلوي إلى عمر بن الخطاب أما بعد فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية بأربعة آلاف حمام وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية وأربع مائة ملهى للملوك حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل أن عمرا بن العاص لما فتح الإسكندرية وجد فيها اثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا ابن مقلاص قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن داود قال أراه عن حيوة بن شريح أن عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية وجد فيها اثني عشر ألف بقال

حدثنا هانئ بن المتوكل قال حدثنا محمد بن سعيد الهاشمي قال ترحل من الإسكندرية في الليلة التي دخلها عمرو بن العاص أو في الليلة التي

خافوا فيها دخول عمرو سبعون ألف يهودي

حدثنا هانئ بن المتوكل عن موسى بن ايوب وراشد بن سعد عن الحسن بن ثوبان عن حسين بن شفي بن عبيد قال وكان بالإسكندرية فيما أحصي من الحمامات اثنا عشر ألف ديماس أصغر ديماس منها يسع ألف مجلس كل مجلس منها يسع جماعة نفر وكان عدة من بالإسكندرية من الروم مائتي ألف من الرجال فلحق بأرض الروم أهل القوة وركبوا السفن وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار فحمل فيها ثلاثون ألفا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل وبقي من بقى الأسارى ممن بلغ الخراج فأحصي يومئذ ست مائة ألف سوى النساء والصبيان فاختلف الناس على عمرو في قسمها وكان أكثر الناس يريدون قمسها فقال عمرو لا أقدر على قسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إليه كتابا يعلمه بفتحها وشأنها ويعلمه أن المسلمين طلبوا قسمها فكتب إليه عمر لا تقسمها وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين وقوة لهم على جهاد عدوهم فأقرها عمرو وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج فكانت مصر صلحا كلها بفريضة دينارين دينارين على كل رجل لا يزاد على احد منهم في جزية رأسه أكثر من دينارين إلا أنه يلزم بقدر ما يتوسع فيه من الأرض والزرع إلا أهل الإسكندرية فإنهم كانوا يؤدون الخراج والجزية على قدر ما يرى من وليهم لأن الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد ولم يكن صلح ولا ذمة وقد كانت قرى من قرى مصركما حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب قاتلت فسبوا منها قرية يقال بها بلهيب وقرية يقال لها خيس وقرية يقال لها سلطيس فوقع سباياهم بالمدينة وغيرها فردهم عمر بن الخطاب إلى قراهم وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة

حدثنا عثمان بن صالح قال أخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرا سبى أهل بلهيب وسلطيس وقرطسا وسخا فتفرقوا وبلغ أولهم المدينة حين نقضوا ثم كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بردهم فرد من وجد منهم حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن الخطاب كتب في أهل سلطيس خاصة من كان منهم في أيديكم نخيروه بين الاسلام فإن أسلم فهو من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم وإن اختار دينه فخلوا بينه وبين قريته فكان البلهيبي خير يومئذ فاختار الاسلام

ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح عن يحيى بن أيوب أن أهل سلطيس ومصيل وبلهيب ظاهر الروم على المسلمين في جمع كان لهم فلما ظهر عليهم المسلمون استحلوهم وقالوا هؤلاء لنا فيء مع الإسكندرية فكتب عمرو بن العاص بذلك الى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر أن يجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمة للمسلمين ويضربوا عليهم الخراج ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط قوة للمسلمين على عدوهم ولا يجعلون فيئا ولاعبيدا ففعلوا ذلك ويقال انما ردهم عمر بن الخطاب لعهد كان تقدم لهم

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن لهيعة وابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن عوف بن حطان أنه كان لقريات من مصر منهم أم دنين وبلهيب عهد وأن عمر لما سمع بذلك كتب إلى عمرو بن العاص يأمره أن يخيرهم فإن دخلوا في الإسلام فذاك وإن كرهوا فارددهم إلى قراهم قال وكان من أبناء السلطيسيات عمران بن عبد الرحمن بن جعفر بن ربيعة وأم عياض بن عقبة وأبو عبيدة بن عقبة وأم عون بن خارجة القرشي ثم العدوي وأم عبد الرحمن بن معاوية بن حديج وموالي أشراف بعد ذلك وقعوا عند مروان بن الحكم منهم أبان وعمه أبو عياض وعبد الرحمن البلهيبي

فتح مصر بصلح

ثم رجع إلى حديث موسى بن أيوب وراشد بن سعد عن الحسن بن ثوبان عن حسين بن شفي قال إن عمرا لما فتح الإسكندرية بقي من الأسارى بها من بلغ الخراج وأحصي يومئذ ست مائة ألف سوى النساء والصبيان فاختلف الناس على عمرو في قسمهم فكان أكثر المسلمين يريدون قسمها فقال عمرو لا أقدر على قسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها وأن المسلمين طلبوا قسمها فكتب إليه عمرو لا تقسمها وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين وقوة لهم على جهاد عدوهم فأقرها عمرو وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج

ففتحت مصر كلها صلحا بفريضة دينارين على كل رجل لا يزاد على أحد منهم في جزية رأسه أكثر من دينارين إلا انه يلزم بقدر ما يتوسع فيه من الأرض والزرع إلا أهل الإسكندرية فإنهم كانوا يؤدون الخراج والجزية على قدر ما يرى من وليهم لأن الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد ولم يكن لهم صلحا ولا ذمة

حدثنا عثمان بن صالح قال حدثنا الليث قال كان يزيد بن أبي حبيب يقول مصر كلها صلح إلا الإسكندرية فإنها فتحت عنوة

حدثنا عثمان بن صالح عن بكر بن مضر عن عبد الله بن أبي جعفر قال حدثني رجل ممن أدرك عمرابن العاص قال للقبط عهد عند فلان وعهد عند فلان وعهد عند فلان فسمى ثلاثة نفر

حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن شيخ من كبراء الجند أن عهد أهل مصر كان عند كبرائهم

حدثنا هشام بن إسحاق العامري عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر قال سألت شيخا من القدماء عن فتح مصرفقال هاجرنا إلى المدينة أيام عمر بن الخطاب وأنا محتلم فشهدت فتح مصر وقلت له إن ناسا يذكرون أنه لم يكن لهم عهد فقال لا يبالي أن لا يصلي من قال أنه ليس لهم عهد فقلت فهل كان لهم كتاب فقال نعم كتب ثلاثة: كتاب عند طلما صاحب إجنا وكتاب عند قزمان صاحب رشيد وكتاب عند يحنس صاحب البرلس قلت كيف كان صلحهم قال دينارين على كل إنسان جزية وأرزاق المسلمين قلت أفتعلم ما كان من الشروط قال نعم ستة شروط لا يخرجون من ديارهم ولا تنتزع نساؤهم ولا كنوزهم ولا أراضيهم ولا يزاد عليهم

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أنه حدثه عن أبي جمعة مولى عقبة قال كتب عقبة بن عامر إلى معاوية بن أبي سفيان فسأله أرضا يسترفق فيها عند قرية عقبة فكتب له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع فقال له مولى له كان عنده أصلحك الله انظر أرضا صالحة فقال عقبة ليس لنا ذلك إن في عهدهم شروطا ستة لا يؤخذ من أنفسهم شيء ولا من نسائهم ولا من أولادهم ولا يزاد عليهم ويدفع عنهم موضع الخوف من عدوهم وأنا شاهد لهم بذلك

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن وهب عن أبي شريح عبد الرحمن بن شريح عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي جمعة حبيب بن وهب قال كتب عقبة بن عامر إلى معاوية يسأله بقيعا في قرية يبني فيه منازل ومساكن فأمر له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع فقال له مواليه ومن كان عنده انظر إلى أرض تعجبك فاختط فيها وابتن فقال له إنه ليس لنا ذلك لهم في عهدهم ستة شروط منها أن لا يؤخذ من أرضهم شيء ولا يزاد عليهم ولا يكلفوا غير طاقتهم ولا يؤخذ ذراريهم وأن يقاتل عنهم عدوهم من ورائهم

حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن رجل من كبراء الجند قال كتب معاوية بن أبي سفيان إلى وردان أن زد على كل رجل منهم قيراطا فكتب وردان إلى معاوية كيف نزيد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم شيء فعزل معاوية وردان

ويقال إن معاوية إنما عزل وردان كما حدثنا سعيد بن عفير لأن عتبة بن أبي سفيان وفد إلى معاوية في نفر من أهل مصر وكان معاوية ولى عتبة الحرب وولى وردان الخراج وحريث بن زيد الديوان فسأل معاوية الوفد عن عتبة فقال عبادة بن ضمل المعافري حوت بحر يا أمير المؤمنين على بر ووعل فقال معاوية لعتبة اسمع ما يقول فيك رعيتك فقال صدقوا يا أمير المؤمنين حجبتني عن الخراج ولهم علي حقوق وأكره أن أجلس فأسأل فلا أفعل فأبخل فضم إليه معاوية الخراج

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن عوف بن حطان قال إنه كان لقريات من مصر منهن أم دنين وبلهيب عهد وأن عمر بن الخطاب لما سمع بذلك كتب إلى عمرو بن العاص يأمره أن يخيرهم فإن دخلوا في الإسلام فذلك وإن كرهوا فارددهم إلى قراهم

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن يحيى بن ميمون الحضرمي قال لما فتح عمرو بن العاص مصر صولح على جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك ليس فيهم امرأة ولا صبي ولا شيخ على دينارين دينارين فأحصوا لذلك فبلغت عدتهم ثمانية آلاف ألف

حدثنا عثمان بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال سمعت حيوة بن شريح قال سمعت الحسن بن ثوبان الهمداني يقول حدثني هشام بن أبي رقية اللخمي قال إن عمرابن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته وأن قبطيا من أهل الصعيد يقال له بطرس ذكر لعمرو أن عنده كنزا فأرسل إليه فسأله فأنكر وجحد فحبسه في السجن وعمرو يسأل عنه هل يسمعونه يسأل عن أحد فقالوا لا إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور فأرسل عمرو إلى بطرس فنزع خاتمه من يده ثم كتب إلى ذلك الراهب أن ابعث إلى بما عندك وختمه بخاتمه فجاءه رسوله بقلة شامية مختومة بالرصاص ففتحها عمرو فوجد فيها صحفية مكتوبا فيها مالكم تحت الفسقية الكبيرة فأرسل عمرو إلى الفسقية فحبس عنها الماء ثم قلع منها البلاط الذي تحتها فوجد فيها اثنين وخمسين إردبا ذهب مضروبة فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد

فذكرابن أبي رقية أن القبط أخرجوا كنوزهم شفقة أن يبغا على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس

حدثنا عثمان بن صالح قال حدثنا بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرا بن العاص استحل مال قبطي من قبط مصر لأنه استقر عنده أنه يظهر الروم على عورات المسلمين ويكتب إليهم بذلك فاستخرج منه بضعة وخمسين إردبا دنانير ثم رجع إلى حديث يحيى بن أيوب وخالد بن حميد قالا ففتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهرت الروم على المسلمين سلطيس ومصيل وبلهيب فإنه كان للروم جمع فظاهروا الروم فلما ظهر عليها المسلمون استحلوها وقالوا هؤلاء لنا فيء مع الإسكندرية فكتب عمرو بن العاص بذلك إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر أن تجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمة للمسلمين وتضربون عليهم الخراج ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط كله قوة للمسلمين ولا يجعلون فيئا ولا عبيدا ففعلوا ذلك إلى اليوم

فتح مصر عنوة

وقال آخرون بل فتحت مصرعنوة بلا عهد ولا عقد حدثنا عبد الملك بن مسلمة وعثمان بن صالح قالا حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عمن سمع عبيد الله بن المغيرة بن أبي بردة يقول سمعت سفيان بن وهب الخولاني يقول إنا لما فتحنا مصر بغير عهد ولا عقد

قام الزبير بن العوام فقال اقسمها يا عمرو بن العاص فقال عمرو والله لا أقسمها فقال الزبير والله لتقسمنها كما قسم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خيبر فقال عمرو والله لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إليه عمر أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة

قال ابن لهيعة وحدثني يحيى بن ميمون عن عبيدالله بن المغيرة عن سفيان بن وهب بهذا إلا أنه قال فقال عمرو لم أكن لأحدث فيهم شيئا حتى أكتب إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه بهذا قال عبد الملك في حديثه ان الزبير صولح على شيء أرضي به حدثنا عبد الملك بن مسلمة وعثمان بن صالح قالا حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة أن مصر فتحت عنوة حدثنا عبد الملك بن قال حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال سمعت اشياخنا يقولون إن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد

قال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم منهم أبي يحدثنا عن أبيه وكان ممن شهد فتح مصر

حدثنا عثمان بن صالح قال حدثنا ابن وهب عن ابن أنعم قال سمعت أشياخنا يقولون فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة أن مصر فتحت عنوة

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن لهيعة عن أبي قنان أيوب بن أبي العالية عن أبيه وحدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن وهب عن داود بن عبد الله الحضرمي أن أبا قنان حدثه عن أبيه أنه سمع عمرا بن العاص يقول لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد إلا لأهل أنطابلس فإن لهم عهدا نوفي لهم به

قال ابن لهيعة في حديثه أن عمرا قال إن شئت قتلت وإن شئت خمست وإن شئت بعت

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عمرا بن العاص فتح مصر بغير عهد ولا عقد وأن عمر بن الخطاب حبس درها وضرعها أن يخرج منها شيء نظرا للإسلام وأهله

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح عن يعقوب بن مجاهد عن زيد بن أسلم قال كان تابوت لعمر بن الخطاب فيه كل عهد كان بينه وبين أحد ممن عاهده فلم يوجد فيه لأهل مصر عهد قال عبد الرحمن بن شريح ولا أدري أعن زيد حدث أم شيء قاله فمن أسلم منهم فأمة ومن أقام منهم فذمة

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار وعبد الملك بن مسلمة قالا

حدثنا ابن لهيعة عن عبد الملك بن جنادة كاتب حيان بن شريح من أهل مصر من موالي قريش قال كتب حيان إلى عمربن عبد العزيز يسأله أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم فسأل عمر عراك بن مالك فقال عراك ما سمعت لهم بعهد ولا عقد وإنما أخذوا عنوة بمنزلة العبيد

فكتب عمر إلى حيان بن سريج أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم قال وسمعت يحيى بن عبد الله بن بكير يقول خرج أبو سلمة بن عبد الرحمن يريد الإسكندرية في سفينة فاحتاج إلى رجل يجذف به فتسخر رجلا من القبط فكلم في ذلك فقال إنما هم بمنزلة العبيد إن احتجنا إليهم حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن الصلت بن أبي عاصم أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان بن شريح أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح عن عبيد الله بن أبي جعفر أن كاتب حيان حدثه أنه احتاج إلى خشب لصناعة الجزيرة فكتب حيان إلى عمر يذكر ذلك وأنه وجد خشبا عند بعض أهل الذمة وأنه كره أن يأخذ منهم حتى يعلمه فكتب إليه عمر خذها منهم بقيمة عدل فإني لم أجد لأهل مصر عهدا أفي لهم به

حدثنا عبدالرحمن قال حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال كتب عمر بن عبدالعزيز إلى حيان بن سريج أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد

حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا يحيى بن ايوب عن عبد الرحمن بن أبي لبابة أن عمر بن عبد العزيز قال لسالم بن عبد الله أنت تقول ليس لأهل مصر عهد قال نعم

حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب في رهبان يترهبون بمصر فيموت أحدهم وليس له وارث فكتب إليه عمر أن من كان منهم له عقب فادفع ميراثه إلى عقبه ومن لم يكن له عقب فاجعل ماله في بيت مال المسلمين فإن ولاءه للمسلمين

حدثنا يحيى بن خالد عن راشد بن سعد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال كان فتح مصر بعضها بعهد وذمة وبعضها عنوة فجعلها عمر بن الخطاب جميعا ذمة وحملهم على ذلك فمضى ذلك فيهم إلى اليوم والله أعلم.....

ذكر الجزية

قال وكان عمرو يبعث إلى عمر بن الخطاب بالجزية بعد حبس ما كان يحتاج إليه وكانت فريضة مصر كما حدثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب لحفر خلجها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفا من الفعلة معهم الطور والمساحي والأداة يعتقبون ذلك لا يدعون ذلك العمل شتاء ولا صيفا

ثم كتب عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن القاسم بن عبدالله عن عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر أن يختم في رقاب أهل الذمة بالرصاص ويظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم ويركبوا على الأكف عرضا ولا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي ولا يضربوا على النساء ولا على الولدان ولا يدعوهم

يتشبهون بالمسلمين في لبوسهم

حدثنا شعيب بن الليث حدثنا أبي عن محمد بن عبد الرحمن بن عنج أن نافعا حدثهم وحدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا ابن وهب حدثني عبدالله بن عمر وعمرو بن محمد أن نافعا حدثهم عن أسلم مولى عمر أنه حدثه أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد ألا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي وجزيتهم أربعون درهما على أهل الورق منهم وأربعة دنانير على أهل الذهب وعليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مديان من حنطة وثلاثة أقساط من زيت في كل شهر لكل إنسان كان من أهل الشام والجزيرة وودك وعسل لا أدري كم هو ومن كان من أهل مصر فإردب كل شهر لكل إنسان لا أدري كم من الودك والعسل وعليهم من البز والكسوة التي يكسوها أمير المؤمنين الناس ويضيفون من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاث ليال وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعا لكل إنسان ولا أدري كم لهم من الودك وكان لا يضرب الجزية على النساء والصبيان وكان يختم في أعناق رجال أهل الجزية قال وكانت ويبة عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك عن الليث بن سعد في ولاية عمرو بن العاص ستة أمداد

حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر قال جعلت على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مطر فلينفق من ماله. قال وكان عمرو بن العاص لما استوسق له الأمر أقر قبطها على جباية الروم وكانت جبايتهم بالتعديل إذا عمرت القرية وكثر أهلها زيد عليهم وإن قل أهلها وخربت نقصوا فيجتمع عرفاء كل قرية وماروتها ورؤساء أهلها فيتناظرون في العمارة والخراب حتى إذا أقروا من القسم بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى فوزعوا ذلك على احتمال القرى وسعة المزارع ثم ترجع كل قرية بقسمهم فيجمعون قسمهم وخراج كل قرية وما فيها من الأرض العامرة فيبذرون فيخرجون من الأرض فدادين لكنائسهم وحماماتهم ومعدياتهم من جملة الأرض ثم يخرج منها عدد الضيافة للمسلمين ونزول السلطان فإذا فرغوا نظروا إلى ما في كل قرية من الصناع والأجراء فقسموا عليهم بقدر احتمالهم فإن كانت فيها جالية قسموا عليها بقدر احتمالها وقل ما كانت تكون إلا الرجل المنتاب أو المتزوج ثم ينظرون ما بقي من الخراج فيقسمونه بينهم على عدد الأرض ثم يقسمون ذلك بين من يريد الزرع منهم على قدر طاقتهم فإن عجز أحد وشكا ضعفا عن زرع أرضه وزعوا ما عجز عنه على ذوي الاحتمال وإن كان منهم من يريد الزيادة أعطي ما عجز عنه أهل الضعف فإن تشاحوا قسموا ذلك على عدتهم وكانت قسمتهم على قراريط الدينارأربعة وعشرين قيراطا يقسمون الأرض على ذلك

وكذلك روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا وجعل عليهم لكل فدان نصف إردب قمح وويبتين من شعير إلا القرط فلم يكن عليه ضريبة والويبة يومئذ ستة أمداد

وكان عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب يأخذ ممن صالحه من المعاهدين ما سمى على نفسه لا يضع من ذلك شيئا ولا يزيد عليه ومن نزل منهم على الجزية ولم يسم شيئا يؤديه نظر عمر في أمره فإذا احتاجوا خفف عنهم وإن استغنوا زاد عليهم بقدر استغنائهم

قال وروى حيوة بن شريح حدثني الحسن بن ثوبان أن هشام بن أبي رقية اللخمي حدثه أن صاحب إخنا قدم على عمرو بن العاص فقال له أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر لها فقال عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم ومن ذهب إلى هذا الحديث ذهب إلى أن مصر فتحت عنوة

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال قال عمر بن عبد العزيز أيما ذمي أسلم فإن إسلامه يحرز له نفسه وماله وما كان من أرض فإنها من فيء الله على المسلمين حدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد أن عمر بن عبد العزيز قال أيما قوم صالحوا على جزية يعطونها فمن أسلم منهم كان أرضه وداره لبقيتهم قال الليث وكتب إلي يحيى بن سعيد أن ما باع القبط في جزيتهم وما يؤخذون به من الحق الذي عليهم من عبد أو وليدة أو بعير أو بقرة أو دابة فإن ذلك جائز عليهم جائز لمن ابتاعه منهم غير مردود إليهم إن أيسروا وما أكروا من أرضهم فجائز كراؤه إلا أن يكون يضر بالجزية التي عليهم فلعل الأرض أن ترد عليهم إن أضرت بجزيتهم وإن كان فضلا بعد الجزية فإنا نرى كراءها جائزا لمن تكاراها منهم

قال يحيى ونحن نقول الجزية جزيتان فجزية على رؤوس الرجال وجزية جملة تكون على أهل القرية يؤخذ بها أهل القرية فمن هلك من أهل القرية التي عليهم جزية مسماة على القرية ليست على رؤوس الرجال فإنا نرى أن من هلك من أهل القرية ممن لا ولد له ولا وارث أن أرضه ترجع إلى قريته في جملة ما عليهم من الجزية ومن هلك ممن جزيته على رؤوس الرجال ولم يدع وراثا فإن أرضه للمسلمين

قال الليث وقال عمر بن عبد العزيز الجزية على الرؤوس وليست على الأرضين يريد أهل الذمة حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن عبد الملك بن جنادة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن شريج أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم قال وحديث عبد الملك هذا يدل على أن عمر بن عبد العزيز كان يرى أن أرض مصر فتحت عنوة وأن الجزية إنما هي على القرى فمن مات من أهل القرى كانت تلك الجزية ثابتة عليهم وأن موت من مات منهم لا يضع عنهم من الجزية شيئا قال ويحتمل أن تكون مصر فتحت بصلح فذلك الصلح ثابت على من بقي منهم وأن موت من مات منهم لا يضع عنهم مما صالحوا عليه شيئا والله أعلم

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج أن رجلا أسلم على عهد عمر بن الخطاب فقال ضعوا الجزية عن أرضي فقال عمر لا إن أرضك فتحت عنوة

قال عبد الملك وقال مالك بن أنس ما باع أهل الصلح من أرضهم فهو جائز لهم وما فتح عنوة فإن ذلك لا يشتري منهم أحد ولا يجوز لهم بيع شيء مما تحت أيديهم من الأرض لأن أهل الصلح من أسلم منهم كان أحق بأرضه وماله وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم أحرز إسلامة نفسه وأرضه للمسلمين لأن لأهل العنوة غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين ولأن أهل الصلح إنما هم قوم امتنعوا ومنعوا بلادهم حتى صالحوا عليها وليس عليهم إلا ما صالحوا عليه ولا أرى أن يزاد عليهم ولا يؤخذ منهم إلا ما فرض عمر بن الخطاب لأن عمر خطب الناس فقال قد فرضت لكم الفرائض وسنت لكم السنن وتركتم على الواضحة قال وأما جزية الأرض فلا علم لي ولا أدري كيف صنع فيها عمر غير أن قد أقر الأرض فلم يقسمها بين الناس الذين افتتحوها فلو نزل هذا بأحد كنت أرى أن يسأل أهل البلاد أهل المعرفة منهم والأمانة كيف كان الأمر في ذلك فإن وجد من ذلك علما يشفي وإلا اجتهد في ذلك هو ومن حضره من المسلمين

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد أن عمر بن عبد العزيز وضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة من أهل مصر وألحق في الديوان صلح من أسلم منهم في عشائر من أسلموا على يديه قال وقال غير عبد الملك وكانت تؤخذ قبل ذلك ممن أسلم وأول من أخذ الجزية ممن أسلم من أهل الذمة كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن رزين بن عبدالله المرادي الحجاج بن يوسف ثم كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد العزيز بن مروان أن يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة فكلمه ابن حجيرة في ذلك فقال أعيذك بالله أيها الأمير أن تكون أول من سن ذلك بمصر فوالله إن أهل الذمة ليتحملون جزية من ترهب منهم فكيف تضعها على من أسلم منهم فتركهم عند ذلك

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن سريج أن تضع الجزية عن من أسلم من أهل الذمة فإن الله تبارك وتعالى قال "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم" قال "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد قال كان لعبدالله بن سعد موالي نصارى فأعتقهم فكان عليهم الخراج قال الليث أدركنا بعضهم وإنهم ليؤدون الخراج

حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن صالح قالا حدثنا الليث بن سعد قال لما ولي ابن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها وينظر في تعديل الخراج عليهم فأقام في ذلك ستة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الأعوان والكتاب يكفونه ذلك بجد وتشمير وثلاثة أشهر بأسفل الأرض فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية

فلم يحص فيها في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية

ذكر المقطم...

ذكر اسنبطاء عمر بن الخطاب عمرو بن العاص في الخراج

قال فلما استبطأ عمر بن الخطاب الخراج من قبل عمرو بن العاص كما حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد كتب إليه بسم الله الرحمن الرجيم من عبد الله بن عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني فكرت في أمرك والذي أنت عليه فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوة في بر وبحر وإنها قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملا محكما مع شدة عتوهم وكفرهم فعجبت من ذلك وأعجب مما عجبت إنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدوب ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر ورجوت أن تفيق فترفع إلي ذلك فإذا أنت تأتيني بمعاريض تغتالها ولا توافق الذي في نفسي ولست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك ولست أدري مع ذلك ما الذي أنفرك من كتابي وقبضك فلئن كنت مجزئا كافئا صحيحيا إن البراءة لنافعة وإن كنت مضيعا نطفا إن الأمر لعلى غير ما تحدث به نفسك وقد تركت أن أبتلي ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترفع إلي ذلك وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا عمالك عمال السوء وما توالس عليه وتلفف اتخذوك كهفا وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك عنه فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه فإن النهز يخرج الدر والحق أبلج ودعني وما عنه تلجلج فإنه قد برح الخفاء والسلام

قال فكتب إليه عمرو بن العاص بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله أمير المؤمنين من عمرو بن العاص سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج والذي ذكر فيها من عمل الفراعنة قبلي وإعجابه من خراجها على أيديهم ونقض ذلك منها منذ كان الإسلام ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر والأرض أعمر لأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم أرغب في عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام وذكرت أن النهز يخرج الدر فحلبتها حلبا قطع ذلك درها وأكثرت في كتابك وأنبت وعرضت وثربت وعلمت أن ذلك عن شيء تخفيه على غير خبر فجئت لعمري بالمفظعات المقذعات ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق وقد عملنا لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} ولمن بعده فكنا بحمد الله مؤدين لأماناتنا حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا نرى غير ذلك قبيحا والعمل به سيئا فيعرف ذلك لنا ويصدق فيه قيلنا معاذ الله من تلك الطعم ومن شر الشيم والاجتراء على كل مأثم فاقبض عملك فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضا ولم تكرم فيه أخا والله يا بن الخطاب لأنا حين يراد ذلك مني أشد لنفسي غضبا ولها إنزاها وإكراما وما عملت من عمل أرى علي فيه متعلقا ولكني حفظت ما لم تحفظ ولو كنت من يهود يثرب ما زدت يغفر الله لك ولنا وسكت عن أشياء كنت بها عالما وكان اللسان بها مني ذلولا ولكن الله عظم من حقك ما لا يجهل والسلام

فكتب إليه عمر بن الخطاب كما وجدت في كتاب أعطانيه يحيى بن عبد الله بن بكير عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي مرزوق التجيبي عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج وكتابك إلي ببنيات الطرق وقد علمت إني لست أرضى منك إلا بالحق البين ولم أقدمك إلى مصرأجعلها لك طعمة ولا لقومك ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج وحسن سياستك فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل الخراج فإنما هو فيء المسلمين وعندي من قد تعلم قوم محصورون والسلام

فكتب إليه عمرو بن العاص بسم الله الرحمن الرحيم لعمر بن الخطاب من عمرو بن العاص سلام عليكم فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج ويزعم أني أعند عن الحق وأنكب عن الطريق وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم فنظرت للمسلمين فكان الرفق بهم خيرا من أن يخرق بهم فيصيروا إلى بيع ما لا غنى بهم عنه والسلام

حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد أن عمرا جباها اثني عشرألف ألف قال غير الليث وجباها المقوقس قبله بسنة عشرين ألف ألف فعند ذلك كتب إليه عمر بما كتب به

قال الليث وجباها عبد الله بن سعد حين استعمله عليها عثمان أربعة عشر ألف ألف فقال عثمان لعمرو بعدما عزله عن مصر يابا عبد الله درت اللقحة بأكثر من درها الأول قال عمرو أضررتم بولدها وقال غير الليث فقال له عمرو ذلك إن لم يمت الفصيل

حدثنا هشام بن إسحاق العامري قال كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يسأل المقوقس عن مصر من أين تأتي عمارتها وخرابها فسأله عمرو فقال له المقوقس تأتي عمارتها وخرابها من وجوه خمسة أن يستخرج خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم ويرفع خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومهم وتحفر في كل سنة خلجها وتسد ترعها وجسورها ولا يقبل محل أهلها يريد البغي فإذا فعل هذا فيها عمرت وإن عمل فيها بخلافها خربت

قال وفي كتاب ابن بكير الذي أعطاني عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه قال لما استبطأ عمر بن الخطاب عمرو بن العاص في الخراج كتب إليه أن ابعث إلي رجلا من أهل مصر فبعث إليه رجلا قديما من القبط فاستخبره عمر عن مصر وخراجها قبل الإسلام فقال يا أمير المؤمنين كان لا يؤحذ منها شيء إلا بعد عمارتها وعاملك لا ينظر إلى العمارة وإنما يأخذ ما ظهر له كأنه لا يريدها إلا لعام واحد فعرف عمر ما قال وقبل من عمرو ما كان يعتذر به

ذكر نهي الجند عن الزرع...

ذكر فتح الفيوم

حدثنا سعيد بن عفير وغيره قالوا فلما تم الفتح للمسلمين بعث عمرو جرائد الخيل إلى القرى التي حولها فأقامت الفيوم سنة لم يعلم المسلمون بمكانها حتى أتاهم رجل فذكرها لهم فأرسل عمرو معه ربيعة بن حبيش بن عرفطة الصدفي فلما سلكوا في المجابة لم يروا شيئا فهموا بالانصراف فقالوا لا تعجلوا سيروا فإن كان كذب فما أقدركم على ما أردتم فلم يسيروا إلا قليلا حتى طلع لهم سواد الفيوم فهجموا عليها فلم يكن عندهم قتال وألقوا بأيديهم قال

ويقال بل خرج مالك بن ناعمة الصدفي وهو صاحب الأشقر على فرسه ينفض المجابة ولا علم له ما خلفها من الفيوم فلما رأى سوادها رجع إلى عمرو فأخبره ذلك

قال ويقال بل بعث عمرو بن العاص قيس بن الحارث إلى الصعيد فسار حتى أتى القيس فنزل بها وبه سميت القيس فراث على عمرو خبره فقال ربيعة بن حبيش كفيت فركب فرسه فأجاز عليه البحر وكانت أنثى فأتاه بالخبر ويقال أنه أجاز من ناحية الشرقية حتى انتهى إلى الفيوم وكان يقال لفرسه الأعمى والله أعلم

قال وبعث عمرو بن العاص نافع بن عبد القيس الفهري وكان نافع أخا العاص بن وائل لأمه فدخلت خيولهم أرض النوبة صوائف كصوائف الروم فلم يزل الأمر على ذلك حتى عزل عمرو بن العاص عن مصر وأمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح فصالحهم وسأذكر ذلك في موضعه إن شاء الله

ذكر فتح برقة

قال وكان البربر بفلسطين وكان ملكهم جالوت فلما قتله داود عليه السلام خرج البربر متوجهين الى المغرب حتى انتهوا الى لوبية ومراقية وهما كورتان من كور مصر الغربية مما يشرب من السماء ولا ينالهما النيل فتفرقوا هنالك فتقدمت زناتة ومغيلة الى المغرب وسكنوا الجبال وتقدمت لواتة فسكنت ارض انطابلس وهي برقة وتفرقت في هذا المغرب وانتشروا فيه حتى بلغواالسوس ونزلت هوارة مدينة لبدة ونزلت نفوسة الى مدينة سبرت وجلا من كان بها من الروم من اجل ذلك واقام الافارق وكانوا خدما للروم على صلح يؤدونه الى من غلب على بلادهم فسار عمرو بن العاص في الخيل حتى قدم برقة فصالح أهلها على ثلاثة عشرألف دينار يؤدونها إليه جزية على أن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد قال كتب عمرو بن العاص على لواتة من البربر في شرطه عليهم أن عليكم أن تبيعوا أبناءكم وبناتكم فيما عليكم من الجزية

حدثنا عثمان بن صالح حدثنا ابن لهيعة أن أنطابلس فتحت بعهد من عمرو بن العاص حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عبدالله الحضرمي أن ابن دياس حين ولي أنطابلس أتاه بكتاب عهدهم حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عبد الله الحضرمي عن أبي قنان أيوب بن أبي العالية الحضرمي عن أبيه قال سمعت عمرو بن العاص على المنبر يقول لأهل أنطابلس عهد يوفى لهم به

قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره قال ولم يكن يدخل برقة يومئذ جابي خراج إنما كانوا يبعثون بالجزية إذا جاء وقتها ووجه عمرو بن العاص عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين

ذكر فتح أطرابلس

قال ثم سار عمرو بن العاص حتى نزل أطرابلس في سنة اثنتين وعشرين حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد قال غزا عمرو بن العاص طرابلس في سنة وثلاث وعشرين ثم رجع إلى حديث عثمان فنزل على القبة التي على الشرف من شرقيها فحاصرها شهرا لا يقدر منهم على شيء فخرج رجل من بني مدلج ذات يوم من عسكر عمرو متصيدا في سبعة نفر فمضوا غربي المدينة حتى أمعنوا عن العسكر ثم رجعوا فأصابهم الحر فأخذوا على ضفة البحر وكان البحر لاصقا بسور المدينة ولم يكن فيما بين المدينة والبحر سور وكانت سفن الروم شارعة في مرساها إلى بيوتهم فنظر المدلجي وأصحابه فإذا البحر قد غاض من ناحية المدينة ووجدوا مسلكا إليها من الموضع الذي غاض منه البحر فدخلوا منه حتى أتوا من ناحية الكنيسة وكبروا فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم وأبصر عمرو وأصحابه السلة في جوف المدينة فأقبل بجيشه حتى دخل عليهم فلم تفلت الروم إلا بما خف لهم من مراكبهم وغنم عمرو ما كان في المدينة

وكان من بسبرت متحصنين واسمها نبارة وسبرت السوق القديم وإنما نقله إلى نبارة عبد الرحمن بن حبيب سنة إحدى وثلاثين فلما بلغهم محاصرة عمرو مدينة أطرابلس وأنه لم يصنع فيهم شيئا ولا طاقة له بهم أمنوا فلما ظفر عمرو بن العاص بمدينة أطرابلس جرد خيلا كثيفة من ليلته وأمرهم بسرعة السير فصبحت خيله مدينة سبرت وقد غفلوا وقد فتحوا أبوابهم لتسرح ما شيتهم فدخلوها فلم ينج منهم أحد واحتوى جند عمرو على ما فيها ورجعوا إلى عمرو

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول غزونا مع عمرو بن العاص غزوة أطرابلس فجمعنا المجلس ومعنا فيه هبيب بن مغفل فذكرنا قضاء دين رمضان فقال هبيب مغفل لا يفرق وقال عمرو بن العاص لا بأس أن يفرق إذا أحصيت العدد

ذكر استئذان عمرو بن العاص عمر بن الخطاب في غزوة أفريقية

وأراد عمرو أن يوجه إلى المغرب فكتب إلى عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني

إن الله قد فتح علينا أطرابلس وليس بينها وبين أفريقية إلا تسعة أيام فإن رأى أمير المؤمنين أن يغزوها ويفتحها الله على يديه فعل فكتب إليه عمر لا إنها ليست بأفريقية ولكنها المفرقة غادرة مغدور بها لا يغزوها أحد ما بقيت

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل عن مرة بن ليشرح المعافري قال سمعت عمر بن الخطاب يقول أفريقية المفرقة ثلاث مرات لا أوجه إليها أحدا ما مقلت عيني الماء حدثنا أسد بن موسى حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن مسعود بن الأسود صاحب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وكان بايع تحت الشجرة أنه استأذن عمر بن الخطاب في غزو أفريقية فقال عمر لا إن أفريقية غادرة مغدور بها

قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره قال فأتى عمرو بن العاص كتاب المقوقس يذكر له فيه أن الروم يريدون نكث العهد ونقض ما كان بينهم وبينه وكان عمرو قد عاهد المقوقس على أن لا يكتمه أمرا يحدث فانصرف عمرو راجعا مبادرا لما أتاه وقد كان عمرو يبعث الجريدة من الخيل فيصيبون الغنائم ثم يرجعون

ذكر عزل عمرو عن مصر

قال فتوفي عمر رحمة الله عليه ومصرعلى أميرين عمرو بن العاص بأسفل الأرض وعبدالله بن سعد بن أبي سرح على الصعيد قال وكانت وفاة عمر كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد مصدر الحاج سنة ثلاث وعشرين حدثنا سعيد بن عفير قال إنما كان عمر بن الخطاب ولى عبد الله بن سعد من الصعيد الفيوم فلما استخلف عثمان بن عفان كما حدثنا عبد الله بن صالح أو غيره عن الليث طمع عمرو بن العاص لما رأى من لين عثمان أن يعزل له عبد الله بن سعد عن الصعيد فوفد إليه وكلمه في ذلك فقال له عثمان ولاه عمر بن الخطاب الصعيد وليس بينه وبينه حرمة ولا خاصة وقد علمت أنه أخي من الرضاعة فكيف أعزله عما ولاه غيري وقال له فيما حدثنا سعيد بن عفير إنك لفي غفلة عما كانت تصنع بي أمه إن كانت لتخبأ لي العرق من اللحم في ردنها حتى آتي قال ثم رجع إلى حديث الليث بن سعد قال فغضب عمرو وقال لست راجعا إلا على ذلك فكتب عثمان بن عفان إلى عبد الله بن سعد يؤمره على مصر كلها فجاءه الكتاب بالفيوم قال ابن عفير بقرية منها تدعى دموشة قال الليث في حديثه فجعل لأهل أطواب جعلا على أن يصبحوا به الفسطاط في مركبه وكان الذي جعل لهم كما يزعم آل عبد الله بن سعد خمسة دنانير قال الليث فقدموا به الفسطاط قبل الصبح فأرسل إلى المؤذن فأقام الصلاة حين طلع الفجر وعبد الله بن عمرو ينتظر المؤذن يدعوه إلى الصلاة لأنه خليفة أبيه فاستنكر الإقامة فقيل له صلى عبد الله بن سعد بالناس وآل عبد الله يزعمون أن عبد الله بن سعد أقبل من غربي المسجد بين يديه شمعة وأقبل عبد الله بن عمرو من نحو داره بين يديه شمعة فالتقت الشمعتان عند القبلة قال الليث في حديثه فأقبل عبد الله بن عمرو حتى وقف على عبد الله بن سعد فقال هذا بغيك ودسك فقال عبد الله بن سعد ما فعلت وقد كنت أنت وأبوك تحسداني على الصعيد فتعال حتى أوليك الصعيد وأولي أباك أسفل الأرض ولا أحسدكما عليه فلبث عبد الله بن سعد عليها أميرا محمودا وغزا فيها ثلاث غزوات كلهن لها شأن وذكر أفريقية والأوساد ويوم ذي الصواري وسأذكر ذلك في موضعه أن شاء الله قال وكان عزل عمرو بن

العاص عن مصر كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد وتولية عبدالله بن سعد في سنة خمس وعشرين

ذكر انتقاض الاسكندرية

قال وقد كانت الاسكندرية كما حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب انتقضت وجاءت الروم عليهم منويل الخصي في المراكب حتى أرسوا لاسكندرية فأجابهم من بها من الروم ولم يكن المقوقس تحرك ولا نكث.

وقد كان عثمان بن عفان عزل عمرو بن العاص وولى عبد الله بن سعد فلما نزلت الروم الاسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرا حتى يفرغ من قتال الروم فإن له معرفة بالحرب وهيبة في قلب العدو ففعل وكان على الاسكندرية سورها فحلف عمرو بن العاص لئن أظهره الله عليهم ليهدمن سورها حتى تكون مثل بيت الزانية تؤتى من كل مكان فخرج إليهم عمرو في البر والبحر قال غير الليث وضوى إلى المقوقس من أطاعه من القبط فأما الروم فلم يطعه منهم أحد فقال خارجة بن حذافة لعمرو ناهضهم القتال قبل أن يكثر مددهم ولا آمن أن تنتقض مصر كلها فقال عمرو لا ولكن أدعهم حتى يسيروا إلي فإنهم يصيبون من مروا به فيخزي الله بعضهم ببعض

فخرجوا من الاسكندرية ومعهم من نقض من أهل القرى فجعلوا ينزلون القرية فيشربون خمورها ويأكلون أطعمتها وينتهبون ما مروا به فلم يعرض لهم عمرو حتى بلغوا نقيوس فلقوهم في البر والبحر فبدأت الروم والقبط فرموا بالنشاب في الماء رميا شديداحتى أصابت النشاب يومئذ فرس عمرو في لبته وهو في البر فعقر فنزل عنه عمرو ثم خرجوا من البحر فاجتمعوا هم والذين في البر فنضحوا المسلمين بالنشاب فاستأخر المسلمون عنهم شيئا يسيرا وحملوا على المسلمين حملة ولى المسلمون منها وانهزم شريك بن سمي في خيله وكانت الروم قد جعلت صفوفا خلف صفوف وبرز يومئذ بطريق ممن جاء من أرض الروم على فرس له عليه سلاح مذهب فدعا إلى البراز فبرز إليه رجل من زبيد يقال له حومل يكنى أبا مذحج فاقتتلا طويلا برمحين يتطاردان ثم ألقى البطريق الرمح وأخذ السيف وألقى حومل رمحه وأخذ سيفه وكان يعرف بالنجدة وجعل عمرو يصيح أبا مذحج فيجيبه لبيك والناس على شاطيءالنيل في البر على تعبئتهم وصفوفهم فتجاولا ساعة بالسيفين ثم حمل عليه البطريق فاحتمله وكان نحيفا ويخترط حومل خنجرا كان في منطقته أوفي ذراعه فضرب به نحر العلج أوتر قوته فأثبته ووقع عليه فأخذ سلبه ثم مات حومل بعد ذلك بأيام رحمة الله عليه فرئي عمرو يحمل سريره بين عمودي نعشه حتى دفنه بالمقطم ثم شد المسلمون عليهم فكانت هزيمتهم فطلبهم المسلمون حتى الحقوهم بالأسكندرية ففتح الله عليهم وقتل منويل الخصي

حدثنا الهيثم بن زياد أن عمرو بن العاص قتلهم حتى أمعن في مدينتهم فكلم في ذلك فأمر برفع السيف عنهم وبني في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجدا وهو المسجد الذي بالإسكندرية الذي يقال له مسجد الرحمة وإنما سمي مسجد الرحمة لرفع عمرو السيف هنالك وهدم سورها كله

وجمع عمرو ما أصاب منهم فجاءه أهل تلك القرى ممن لم يكن نقض فقالوا قد كنا على صلحنا وقد مر علينا هؤلاء اللصوص فأخذوا متاعنا ودوابنا وهو قائم في يديك فرد عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه وأقاموا عليه البينة وقال بعضهم لعمرو ما حل لك ما صنعت بنا كان لنا أن تقاتل عنا لأنا في ذمتك ولم ننقض فأما من نقض فأبعده الله فندم عمرو وقال ياليتني كنت لقيتهم حين خرجوا من الاسكندرية

وكان سبب نقض الاسكندرية هذا كما حدثنا عن حيوة بن شريح عن الحسن بن ثوبان عن هشام بن أبي رقية أن صاحب إخنا قدم على عمرو بن العاص فقال أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر لها فقال عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم فغضب صاحب إخنا فخرج إلى الروم فقدم بهم فهزمهم الله وأسر النبطي فأتي به عمرو فقال له الناس اقتله فقال لا بل انطلق فجئنا بجيش آخر

حدثنا سعيد بن سابق قال كان اسمه طلما وإن عمرا لما أتي به سوره وتوجه وكساه برنس أرجوان وقال له إيتنا بمثل هؤلاء فرضي بأداء الجزية فقيل لطلما لو أتيت ملك الروم فقال لو اتيته لقتلني وقال قتلت أصحابي

ذكر خراب خربة وردان

قال وكان عمرو حين توجه إلى الاسكندرية خرب القرية التي تعرف اليوم بخربة وردان قال عبد الرحمن واختلف علينا في السبب الذي خربت له فحدثنا سعيد بن عفير أن عمرا لما توجه الى نقيوس لقتال الروم عدل وردان لقضاء حاجته عند الصبح قريبا من خربة وردان فاختطفه أهل الخربة فغيبوه ففقده عمرو وسأل عنه وقفا أثره فوجدوه في بعض دورهم فأمر بإخرابها وإخراجهم منها

حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال كان أهل الخربة رهبانا كلهم فغدروا بقوم من ساقة عمرو فقتلوهم بعد أن بلغ عمرو الكريون فأقام عمرو ووجه إليهم وردان فقتلهم وخربها فهي خراب إلى اليوم حدثنا أبي عبد الله بن عبد الحكم قال كان أهل الخربة أهل توثب وخبث فأرسل عمرو بن العاص إلى أرضهم فأخذ له منها جراب فيه تراب من ترابها ثم دعاهم فكلمهم فلم يجيبوه إلى شيء فأمر بإخراجهم ثم أمر بالتراب ففرش تحت مصلاه ثم قعد عليه ثم دعاهم فكلمهم فأجابوه إلى ما أحب ثم أمر بالتراب فرفع ثم دعاهم فلم يجيبوه إلى شيء حتى فعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك قال هذه بلدة لا تصلح إلا ن توطأ فأمر بإخرابها والله أعلم

ذكر بعض ما قيل في فتح الاسكندرية الثاني

ثم رجع إلى حديث ابن ليهعة عن يزيد بن أبي حبيب قال فلما هزم الله الروم أراد عثمان عمرا أن يكون على الحرب وعبد الله بن سعد على الخراج فقال عمرو أنا إذا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها فأبى عمرو

حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا حرملة بن عمران عن تميم بن فرع المهري قال شهدت فتح الإسكندرية في المرة الثانية فلم يسهم لي حتى كاد أن يقع بين قومي وبين قريش منازعة فقال بعض القوم أرسلوا إلى أبي بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني فإنهما من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فسلوهما عن هذا فأرسلوا إليهما فسألوهما فقالا انظروا فإن كان أنبت فأسهموا له فنظروا إلي بعض القوم فوجدوني قد أنبت فأسهموا لي

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن وهب عن موسى بن علي عن أبيه عن عمرو بن العاص أنه فتح الإسكندرية الفتحة الأخيرة عنوة قسرا في خلافة عثمان بن عفان بعد موت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة قال كان فتح الإسكندرية الأول سنة إحدى وعشرين وفتحها الآخر سنة خمس وعشرين بينهما أربع سنين

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد قال كان فتح الإسكندرية الأول سنة اثنتين وعشرين وكان فتحها الآخر سنة خمس وعشرين قال غير ابن لهيعة وأقام عمرو بن العاص بعد فتح الإسكندرية شهرا ثم عزله عثمان وولى عبد الله بن سعد

قال غير ابن لهيعة في حديثه عن يزيد بن أبي حبيب وأقامت الخيس من البيما يقاتلون الناس سبع سنين بعدما فتحت مصر مما يفتحون عليهم من تلك المياه والغياض

ذكر قدوم عمرو على عمر بن الخطاب

حدثنا عثمان بن صالح عن الليث بن سعد قال عاش عمر بن الخطاب بعد فتح مصر ثلاث سنين قدم عليه عمرو فيها قدمتين قال ابن عفير استخلف في إحداهما زكرياء بن الجهم العبدري على الجند ومجاهد بن جبر مولى بني نوفل بن عبد مناف على الخراج وهو جد معاذ بن موسى النفاط أبي إسحاق بن معاذ الشاعر فسأله عمر من استخلفت فذكر له مجاهد بن جبر فقال له عمر مولى ابنت غزوان قال نعم إنه كاتب فقال عمر إن القلم ليرفع بصاحبه وبنت غزوان هذه أخت عتبة بن غزوان وقد شهد عتبة بدرا

حدثنا عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبدالله عن محمد بن إسحاق قال عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان حليف بني نوفل بن عبد مناف قال وخطة مجاهد بن جبر دار صالح صاحب السوق

قال ثم رجع إلى حديث ابن عفير قال واستخلف في القدمة الثانية عبد الله بن عمروفحدثنا عبدالملك بن مسلمة وعبد الله بن صالح قالا حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص دخل على عمر بن الخطاب وهو على مائدته جاثيا على ركبتيه وأصحابه كلهم على تلك الحال وليس في الجفنة فضل لأحد يجلس فسلم عمرو على عمر فرد عليه السلام قال عمرو بن العاص قال نعم فأدخل عمر يده في الثريد فملأها ثريدا ثم ناولها عمرو بن العاص فقال خذ هذا فجلس عمرو وجعل الثريد في يده اليسرى ويأكل باليمنى ووفد أهل مصر ينظرون إليه فلما خرجوا قال الوفد لعمرو أي شيء صنعت فقال عمرو إنه والله لقد علم أني بما قدمت به من مصر لغني عن الثريد الذي ناولني ولكنه أراد أن يختبرني فلو لم أقبلها للقيت منه شرا

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبدالجبار حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل قال دخل عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب وقد صبغ رأسه ولحيته بسواد فقال عمر من أنت قال أنا عمرو بن العاص قال عمر عهدي بك شيخا وأنت اليوم شاب عزمت عليك إلا ما خرجت فغسلت هذا

حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب قال قدم عمرو بن العاص من مصر مرة على عمر فوافاه على المنبر يوم الجمعة فقال هذا عمرو بن العاص قد أتاكم ما ينبغي لعمرو أن يمشي على الأرض إلا أميرا حدثنا سعيد بن عفير حدثنا ابن لهيعة عن مشرح بن عاهان عن عقبة بن عامر أن عمر رضي الله عنه قال ما ينبغي لعمرو أن يمشي على الأرض إلا أميرا

قال الليث وقال عمرو بن العاص ما كنت بشيء أتجر مني بالحرب

ذكر وفاة عمرو بن العاص

قال ثم توفي عمرو بن العاص في سنة ثلاث وأربعين حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال توفي عمرو بن العاص سنة ثلاث وأربعين وفيها أمر عتبة بن أبي سفيان على أهل مصر وفيها غزا شريك بن سمي لبدة المغرب

قال وحدثنا أسد بن موسى وعبدالله بن صالح قالا حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة أخبره أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة دمعت عيناه فقال عبد الله بن عمرو يا أبا عبد الله أجزع من الموت يحملك على هذا قال لا ولكن مما بعد الموت فذكر له عبد الله مواطنه التي كانت مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} والفتوح التي كانت بالشام فلما فرغ عبد الله من ذلك قال قد كنت على أطباق ثلاثة لو مت على بعضهن علمت ما يقول الناس بعث الله محمدا {صلى الله عليه وسلم} فكنت أكره الناس لما جاء به أتمنى لو أني قتلته فلو مت على ذلك لقال الناس مات عمرو مشركا عدوا لله ولرسوله من أهل النار ثم قذف الله الإسلام في قلبي فأتيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فبسط إلي يده ليبايعني فقبضت يدي ثم قلت أبايعك على أن يغفر لي ماتقدم من ذنبي وأنا أظن حينئذ أني لا أحدث في الإسلام ذنبا فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يا عمرو إن الإسلام يجب ما قبله من خطيئة وإن الهجرة تجب ما بينها وبين الإسلام فلو مت على هذا الطبق لقال الناس أسلم عمرو وجاهد مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} نرجو لعمرو عند الله خيرا كثيرا ثم أصبت إمارات وكانت فتن فأنا مشفق من هذا الطبق فإذا أخرجتموني فأسرعوا بي ولا تتبعني مادحة ولا نار وشدوا علي إزاري فإني مخاصم وسنوا علي التراب سنا فإن يميني ليست بأحق بالتراب من يساري ولا تدخلن القبر خشبة ولا طوبة ثم إذا قبرتموني فامكثوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها أستأنس بكم

حدثنا أسد بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن قيس بن سمي نحوه قال وقال عمرو فوالله إني إن كنت لأشد الناس حياء من رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما ملأت عيني منه ولا راجعته بما أريد حتى لحق بالله حياء منه

وصية عمرو بن العاص عند موته

حدثنا أسد بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن محمد عن محمد بن طلحة عن إسماعيل أن عمرو بن العاص لما حضره الموت قال ادعوا لي عبد الله فقال يا بني إذا أنا مت فاغسلني وترا واجعل في آخر ماء تغسلني به شيئا من كافور فإذا فرغت فأسرع بي فإذا أدخلتني قبري فسن علي التراب سنا واعلم أنك تتركني وحيدا خائفا اللهم لا أعتذر ولكني أستغفر اللهم إنك أمرت بأمور فتركنا ونهيت فركبنا فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر ولكن لا إله إلا أنت لا إله إلا أنت ثلاث مرات ثم قبض

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة ذرفت عيناه فبكى فقال له عبد الله يا أبة ما كنت أخشى أن ينزل بك أمر من أمر الله إلا صبرت عليه قال له يا بني إنه نزل بإبيك خلال ثلاث أما أولاهن فانقطاع عمله وأما الثالثة فهول المطلع وأما الثانية ففراق الأحبة وهي أيسرهن اللهم أمرت فتوانيت ونيهت فعصبت اللهم ومن شيمك العفو والتجاوز

حدثنا وهب الله بن راشد أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن حميد بن عبدالرحمن عن عبد الله بن عمرو أن عمرو بن العاص حين حضرته الوفاة قال أي بني إذا مت فكفني في ثلاثة أثواب ثم أزرني في احدهن ثم شقوا لي الأرض شقا وسنوا علي التراب سنا فإني مخاصم ثم قال اللهم إنك أمرت بأمور ونهيت عن أمور فتركنا كثيرا مما أمرت به ووقعنا في كثير مما نهيت عنه اللهم لا إله إلا أنت فلم يزل يرددها حتى فاظ

حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد حدثنا حرملة بن عمران التجيبي حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي فراس مولى عمرو بن العاص أن عمرا لما حضرته الوفاة قال لابنه عبد الله إذا مت فاغسلني وكفني وشد علي إزاري فإني مخاصم فإذا أنت حملتني فأسرع بي المشي فإذا أنت وضعتني في المصلى وذلك في يوم عيد فانظر إلى أفواه الطرق فإذا لم يبق أحد واجتمع الناس فابدأ فصل علي ثم صل العيد فإذا وضعتني في لحدي فأهيلوا علي التراب فإن شقي الأيمن ليس بأحق بالتراب من شقي الأيسر فإذا سويتم علي فاجلسوا عند قبري قدر نحر جزور وتقطيعها أستأنس بكم فلما تقدم عبد الله بن عمرو ليصلي على أبيه كما حدثنا عبد الغفار بن داؤد وعبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن ربيعة بن لقيط قال والله ما أحب أن لي بأبي أبا رجل من العرب وما أحب أن الله يعلم أن عيني دمعت عليه جزعا وأن لي حمر النعم ثم كبر

حدثنا سعيد بن عفير قال ودفن بالمقطم من ناحية الفج وكان طريق الناس يومئذ إلى الحجاز فأحب أن يدعو له من مر به وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير من الطويل

الم تر ان الدهر أخنت ريوبه * على عمرو السهمي تجبى له مصر
فأضحى نبيذا بالعراء وضللت * مكائده عنه وأمواله الدثر
ولم يغن عنه جمعه واحتياله * ولا كيده حتى أتيح له الدهر